لِأَنَّهُمْ رَأَوْا مُقَاتِلَ بْنَ سُلَيْمَانَ١ أَفْرَدَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ فِي تَصْنِيفٍ وَجَعَلَهَا خَمْسَمِائَةِ آيَةٍ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مَا فِيهَا مِنَ الْقِصَصِ وَالْمَوَاعِظِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَكْفِي الْمُجْتَهِدَ مِنَ السُّنَّةِ، فَقِيلَ: خَمْسُمِائَةِ حَدِيثٍ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ مَا يُقَالُ، فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي "الْمَحْصُولِ": هِيَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الضَّرِيرُ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ الْحَدِيثِ حَتَّى يُمْكِنَهُ أَنْ يُفْتِيَ: يَكْفِيهِ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: "مِائَتَا أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ"* ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: أَرْجُو.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَالتَّغْلِيظِ فِي الْفُتْيَا، أَوْ يَكُونُ أَرَادَ وَصْفَ أَكْمَلِ الْفُقَهَاءِ، فَأَمَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْأُصُولُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ اسْتِحْضَارُ جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ، وَلَوْ تُصُوِّرَ لَمَا حَضَرَ فِي ذِهْنِهِ عِنْدَ الِاجْتِهَادِ جَمِيعُ مَا رُوي.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ: يَكْفِيهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَصْلٌ يَجَمْعُ أَحَادِيثَ الْأَحْكَامِ، كَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ٢، وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ لِلْبَيْهَقِيِّ٣، أَوْ أَصْلٌ وَقَعَتِ الْعِنَايَةُ فِيهِ بِجَمِيعِ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ، وَيُكْتَفَى فِيهِ بِمَوَاقِعِ كُلِّ بَابٍ، فَيُرَاجِعُهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ، وَنَازَعَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، فَإِنَّهَا لم تستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام،
*ما بين قوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute