للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا مُعْظَمَهَا، وَكَمْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثٍ حُكْمِيٍّ لَيْسَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي "شَرْحِ الْعُنْوَانِ": التَّمْثِيلُ بِسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ عِنْدَنَا، لِوَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ:

أَنَّهَا لَا تَحْوِي السُّنَنَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا.

الثَّانِي:

أَنَّ فِي بَعْضِهَا مَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ. انْتَهَى.

وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْضُهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِفْرَاطِ، وَبَعْضُهُ مِنْ قَبِيلِ التَّفْرِيطِ.

وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مَجَامِيعُ السُّنَّةِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَهْلُ الْفَنِّ، كَالْأُمَّهَاتِ السِّتِّ١ وَمَا يَلْتَحِقُ بِهَا: مُشْرِفًا عَلَى مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْمَسَانِيدُ٢، وَالْمُسْتَخْرَجَاتُ٣، وَالْكُتُبُ الَّتِي الْتَزَمَ مُصَنِّفُوهَا الصِّحَّةَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ تَكُونَ مَحْفُوظَةً لَهُ، مُسْتَحْضَرَةً فِي ذِهْنِهِ، بَلْ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَتَمَكَّنُ مِنِ اسْتِخْرَاجِهَا مِنْ مَوَاضِعِهَا، بِالْبَحْثِ عَنْهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَهُ تَمْيِيزٌ بَيْنَ الصَّحِيحِ مِنْهَا، وَالْحَسَنِ، وَالضَّعِيفِ، بِحَيْثُ يَعْرِفُ حَالَ رِجَالِ الْإِسْنَادِ مَعْرِفَةً يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنَ الْحُكْمِ عَلَى الْحَدِيثِ بِأَحَدِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِحَالِ الرِّجَالِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، بَلِ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَتَمَكَّنَ بِالْبَحْثِ فِي كُتُبِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِ الرِّجَالِ، مَعَ كَوْنِهِ مِمَّنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِمَا يُوجِبُ الْجَرْحَ، وَمَا لَا يُوجِبُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَمَا هُوَ مَقْبُولٌ مِنْهَا، وَمَا هُوَ مَرْدُودٌ، وَمَا هُوَ قَادِحٌ مِنَ الْعِلَلِ، وَمَا هُوَ غَيْرُ قَادِحٍ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِمَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ، حَتَّى لَا يُفْتِيَ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ، إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَيَرَى أَنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَقَلَّ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَى مَنْ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنَ الْمَسَائِلِ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ:

أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ تَفْسِيرُ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْغَرِيبِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لَهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، بَلِ الْمُعْتَبَرُ أن يكون متمكنا


١ وهي الكتب الستة المعروفة: ١- صحيح البخاري ٢- صحيح مسلم ٣- سنن أبي داود ٤-سنن ابن ماجه ٥- سنن النسائي ٦- صحيح الترمذي.
٢ جمع مسند والمراد به هنا كتاب ذكرت فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة بحيث يوافق حروف الهجاء أو يوافق السوابق الإسلامية أو يوافق شرافة النسب، وأشهرها: مسند الإمام أحمد بن حنبل.
٣ المستخرج: مشتق من الاستخراج وهو: أن يعمد المحدث إلى كتاب من كتب الحديث كصحيح البخاري مثلا فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه، ومثاله: "كتاب المستخرج على صحيح البخاري للإسماعيلي وللبرقاني" و"المستخرج على صحيح مسلم لأبي عوانة الإسفراييني" وغير ذلك. ا. هـ تدريب الراوي ١/ ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>