للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنِ اسْتِخْرَاجِهَا مِنْ مُؤَلَّفَاتِ الْأَئِمَّةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَرَّبُوهَا أَحْسَنَ تَقْرِيبٍ، وَهَذَّبُوهَا أَبْلَغَ تَهْذِيبٍ، وَرَتَّبُوهَا عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ تَرْتِيبًا لَا يَصْعُبُ الْكَشْفُ عَنْهُ، وَلَا يَبْعُدُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا، وَخَوَاصِّ تَرَاكِيبِهَا، وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ لَطَائِفِ الْمَزَايَا مَنْ كَانَ عَالِمًا بِعِلْمِ النَّحْوِ، وَالصَّرْفِ، وَالْمَعَانِي، وَالْبَيَانِ، حَتَّى يثبت لَهُ فِي كُلِّ فَنٍّ مِنْ هَذِهِ "الْفُنُونِ"* مَلَكَةٌ، يَسْتَحْضِرُ بِهَا كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ عند وروده عليه، فإنه ذَلِكَ يَنْظُرُ فِي الدَّلِيلِ نَظَرًا صَحِيحًا، وَيَسْتَخْرِجُ مِنْهُ الْأَحْكَامَ اسْتِخْرَاجًا قَوِيًّا.

وَمَنْ جَعَلَ الْمِقْدَارَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْفُنُونِ هُوَ مَعْرِفَةَ "مختصر من"** ختصراتها، أَوْ كِتَابٍ مُتَوَسِّطٍ مِنَ الْمُؤَلَّفَاتِ الْمَوْضُوعَةِ فِيهَا، فَقَدْ أَبْعَدَ، بَلِ الِاسْتِكْثَارُ مِنَ الْمُمَارَسَةِ لَهَا، وَالتَّوَسُّعُ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى مُطَوَّلَاتِهَا مِمَّا يَزِيدُ الْمُجْتَهِدَ قُوَّةً فِي الْبَحْثِ، وَبَصَرًا فِي الِاسْتِخْرَاجِ، وَبَصِيرَةً فِي حُصُولِ مَطْلُوبِهِ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ لَهُ الْمَلَكَةُ الْقَوِيَّةُ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْمَلَكَةُ بِطُولِ الْمُمَارَسَةِ، وَكَثْرَةِ الْمُلَازَمَةِ لِشُيُوخِ هَذَا الْفَنِّ.

قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ مَا يَبْلُغُهُ جَهْدُهُ فِي أَدَاءِ فَرْضِهِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمَعْرِفَةُ لِسَانِ الْعَرَبِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ مُجْتَهِدٍ١ وَغَيْرِهِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ:

أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِعِلْمِ أصول الفقه، لاشتماله على "ما تمس"*** حاجة إِلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُطَوِّلَ الْبَاعَ فِيهِ، وَيَطَّلِعَ عَلَى مُخْتَصَرَاتِهِ، وَمُطَوَّلَاتِهِ، بِمَا تَبْلُغُ "إِلَيْهِ"****طَاقَتُهُ، فَإِنَّ هَذَا الْعِلْمَ هُوَ عِمَادُ فُسْطَاطِ الِاجْتِهَادِ، وَأَسَاسُهُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ أَرْكَانُ بِنَائِهِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَنْظُرَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِهِ نَظَرًا يُوصِلُهُ إِلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فِيهَا، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَاكَ تَمَكَّنَ مِنْ رد الفروع إلى أصولها، بأيسر علم، وَإِذَا قَصَّرَ فِي هَذَا الْفَنِّ صَعُبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَخَبَطَ فِيهِ وَخَلَطَ.

قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ"؛ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ: إِنَّ أَهَمَّ الْعُلُومِ لِلْمُجْتَهِدِ عِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ. انْتَهَى.


* بين القوسين ساقط من "أ".
** بين القوسين ساقط من "أ".
*** في"أ": نفسه.
**** في "أ": به.

<<  <  ج: ص:  >  >>