للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَاسِخًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ يَنْسَخُ الْخَاصَّ الْمُتَقَدِّمَ.

وَأَمَّا مَنْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِالتَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا.

وَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا مِنَ الْمُتَأَخِّرِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى التَّرْجِيحِ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، بِالْمُرَجِّحَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

وَإِذَا اسْتَوَيَا إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَدَلَالَةً رَجَعَ إِلَى المرجحات الخارجية.

فإن لَمْ يُوجَدْ مُرَجِّحٌ خَارِجِيٌّ وَتَعَارَضَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ: هَلْ يُخَيَّرُ الْمُجْتَهِدُ في العمل بِأَحَدِهِمَا، أَوْ يَطْرَحُهُمَا، وَيَرْجِعُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ إِنْ وُجِدَ، أَوْ إِلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ؟.

وَنَقَلَ سليم الرزي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْوَقْتِ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْأُصُولِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْوَقْفُ، إِلَّا بِتَرْجِيحٍ يَقُومُ عَلَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخَرِ، وَكَأَنَّ مُرَادَهُمُ التَّرْجِيحُ الْعَامُّ، الَّذِي لَا يَخُصُّ مَدْلُولَ الْعُمُومِ، كَالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، وَسَائِرِ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَدْلُولِ الْعُمُومِ، ثُمَّ حُكي عَنِ الْفَاضِلِ أَبِي سَعِيدٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى١ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِمَا، فَإِنْ دَخَلَ أَحَدَهُمَا تَخْصِيصٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّخْصِيصِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَقْصُودًا بِالْعُمُومِ رُجِّحَ عَلَى مَا كَانَ عُمُومُهُ اتِّفَاقِيًّا.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ": وَهَذَا هو اللائق بتصرف الشافعي في أحادث النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَمَّا دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ بِالْإِجْمَاعِ فِي صَلَاةِ الجنازة ضعفت دلالتها، فتقدم عليه أَحَادِيثُ الْمَقْضِيَّةِ، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَغَيْرِهِمَا، وَكَذَلِكَ نَقُولُ دلالة: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ مُطْلَقًا فِي النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ أَوْلَى مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ما سبقت لبيان حكم الجمع.


١ هو ابن منصور النيسابوري، الشافعي، أبو سعيد، محيي الدين، ولد سنة ست وسبعين وأربعمائه هـ، وتوفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة هـ، من آثاره "المحيط في شرح الوسيط" ا. هـ معجم المؤلفين ١٢/ ١١٢. سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٣١٢ الأعلام ٧/ ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>