للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تسابق الناس على جمع الكتب، والاعتناء بالمكتبات لما رأوا تلك العناية من أمرائهم. حتى ممن ليس عنده معرفة فيشتري الكتاب الحسن الخط والجيد التجليد بأضعاف ما يستحق إذا اضطره إلى ذلك فراغ في خزانته بمقدار ذلك الكتاب. (١)

ولكن ما بعد ارتفاع الشمس في كبد السماء إلا زوالها كما يقال فقد توفي الحكم المستنصر سنة ٣٦٦ هـ وبوفاته انتهى العصر الذهبي للأندلس. فأتى بعده المنصور بن أبي عامر حاجبا للخليفة الصغير المؤيد ابن الحكم. واستبد بالحكم وكان من نتائج هذا الاستبداد أن تعثرت الحضارة الأندلسية في سيرها على أيامه فأحرقت كتب الفلسفة والفلك وغيرها من العلوم التي كانت موجودة في مكتبة القصر بأمره هو نفسه استرضاء منه لجمهور الفقهاء الذين كانوا قد بدأوا يؤلبون عليه العامة. (٢) ولم تستمر الأحوال بعد ابن أبي عامر فجاء عصر الاضطراب والدمار على قرطبة وغيرها ولا شك في أن لهذا الدمار والتخريب أثرًا قويًّا في إتلاف التراث العلمي الموجود. يقول ابن خلدون في الكلام عن مكتبة المستنصر: "ولم تزل هذه الكتب بقصر قرطبة إلى أن بيع أكثرها في حصار البربر، وأمر بإخراجها وبيعها الحاجب واضح من موالي المنصور بن أبي عامر، ونهب ما بقى منها عند دخول البربر قرطبة واقتحامهم إياها عنوة". (٣)

ولكن ليس في نهب هذه الكتب وبيعها ذهابها وليس في تخريب قرطبة قضاء على العلم بل توزعت تلك الكتب التي كانت محصورة في مكتبة القصر، وتفرق العلماء في سائر مدن الأندلس وقراها وكان


(١) انظر نفح الطيب للمقرى ج ٢ ص ١١.
(٢) المرجع السابق جـ ١ ص ٢٠٥.
(٣) المرجع السابق جـ ١ ص ٣٦٢ - ٣٦٣.

<<  <   >  >>