للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٥ - مكانته العلمية]

انصرف أبو محمد بن حزم - بعد انهيار العهد الأموي، أو تفككه - إلى العلم انصرافًا تامًا فأقبل على دراسة العلوم الشائعة في عصره من النقول، والمعقول فلم يترك بابًا من أبواب العلم الإسلامي إلا خاض فيه خوض العارف بمراميه الدرك بمغازيه فيقبل الحق الذي يعتقده حقا، ويرد في عنف ما يراه باطلا. واطلع كذلك على كثير من العلوم الإسلامية، فرد على الفلاسفة، واليهود، والنصارى، وهو بكل هذا يسلك طريقته الصريحة الحرة. وقد ساعده على كل هذا ما وهبه الله تعالى من الحافظة القوية الواعية التي جعلته يستولى على أبواب العلم استيلاء يقل نظيره، ثم طلبه المتواصل، ومثابرته العديمة النظير حتى إنه لشدة حرصه على الحفظ كان يأكل اللبان لاعتقادهم أنه يقوي الحافظة قال الخطاب بن دحية: "كان ابن حزم قد برص من أكل اللبان وأصابه زمانة". (١)

وإن الناظر في سيرة ابن حزم - ما جرى عليه من تقلبات الحياة "فبعد أن كان في صباه يلبس الحرير، ولا يرضى من المكان إلا بالسرير" (٢) وما عقب هذا من الإجلاء عن الأوطان، وتغير الأحوال، ثم يرى مبلغه من العلم ومقدار مصنفاته - يدرك تمام الإدراك أنه صورة للعزيمة الصادقة القوية التي لا تقبل التردد بحال. يروي ياقوت: "أن ابن حزم اجتمع يومًا مع الفقيه أبي الوليد سليمان بن


(١) سير النبلاء ص ٣٦. قال الذهبى في نفس الصفحة من السير: "وكذلك كان الشافعي رحمه الله يستعمل اللبان لقوة الحفظ فولد له رمى الدم".
(٢) انظر سير النبلاء ص ٢٨، ٢٩. وينسب هذا القول لليسع ابن حزم.

<<  <   >  >>