فأحمد ذكر ذلك على وجه المعارضة والإِلزام لخصومه بما يعتقدونه في نظير ما احتجوا به عليه، لا أنه يعتقد ذلك، والمعارضة لا تستلزم اعتقاد المعارض صحة ما عارض به.
وقالت طائفة أخرى: بل تثبت عن أحمد بمثل هذا رواية في تأويل المجىء والإِتيان ونظائر ذلك من أنواع الحركة، ثم اختلفوا في ذلك، فمنهم من قصد التأويل على هذا النوع خاصة وجعل فيه روايتين ومنهم من حكى روايتين في باب الصفات الخبرية بالنقل والتخريج والرواية المشهورة من مذهبه ترك التأويل صريحا. فإنه لما سأله عن تفسير النزول هل هو أمره، أم ماذا؟ نهاه عنه" (١)
رأينا مما ذكر ابن تيمية وابن القيم أن هذه الرواية عن أحمد ليست محل اتفاق وعلى فرض صحتها فإنها قيلت في معارضة الذين احتجوا بالحديث على أن القران مخلوق لأنه وصف بالإِتيان والمجىء وإذا قيل هذا على سبيل الإِلزام لم يلزم أن يكون القائل له موافقا على ما يقول ملتزما به لأنه يقصد إبطال حجتهم لا بيان رأيه في ذلك ومذهبه وفرق بين الإِلزام والإِلتزام.
[الرد على ابن حزم في تأويل النزول]
بعد أن بينا أن الشبه التي ذكر ابن حزم ورأى أنها مانعة من إرادة النزول الحقيقي - غير واردة على ما يقوله المثبتون من النزول الحقيقي المناسب لكمال الله وعظمته وأنها لا ترد إلا على من يشبه الله تعالى بخلقه فيرى أن نزوله كنزولهم وأن صفاته كصفاتهم. نبين خطأ
(١) مختصر الصواعق المرسلة (٢: ٤٠٦)، وانظر شرح حديث النزول ص (٥٥ - ٥٧).