للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: عصر ابن حزم]

[تمهيد]

لقد ثبت أن الظروف التي تحيط بالشخص والبيئة التي يعيش فيها لهما دخل كبير في تكييف حياته، وطبعها بطابع خاص، فالشخصية تتكون وتبرز متأثرة بالبيئة التي هي فيها ولا يلزم من هذا التأثر أن تتجاوب لروح العصر مجاوبة تامة بحيث لا تختلف عنها، بل إن التأثر قد يكون بمخالفة الغير إذ أن البيئات تختلف بالنسبة للأشخاص الموجودين في عصر واحد فللتربية التي يتلقاها الشخص في البيت وفي المدرسة والكتب التي يقرؤها والأحوال السياسية والاجتماعية والعلمية القائمة في عصره كل أولئك عناصر هامة في تكوين الشخصية وتعيين اتجاهها فمن الضروري عند دراسة شخصية من الشخصيات التي كان لها أثر بارز في ناحية من نواحي الحياة أن تدرس الظروف والبيئة المحيطة بتلك الشخصية حتى يوقف منها على العوامل التي أدت إلى ظهورها، وابن حزم أحد الشخصيات التي كان لها شأن عظيم، فهو من أنبغ الثمرات التي انشق عنها فردوسنا المفقود "الأندلس" فهو من أعلام الدين، والشعر والأدب والتاريخ والفلسفة والسياسة، وقد تعرض للنكبات والنفي، ومجاوبته لروح عصره كانت واضحة في كل مسلك سلكه لذا وجب علينا أن نتكلم في عصر ابن حزم عن أحوال السياسة والاجتماع، والعلم في الأندلس من أول القرن الرابع إلى ما بعد النصف من القرن الخامس الهجري تقريبا لأن ما حصل في هذه الفترة من تلك الأحوال يكون له انعكاس على حياته وتأثير على خط سيره، ولنبتدىء بالكلام على الأحوال السياسية.

<<  <   >  >>