للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحركة الفكرية في أرجاء بلاد الأندلس على الرغم مما صحبها من مظاهر الصراع والذي نجم عنه ترق في العلوم والآداب، والفنون والصناعات، وقد كانت مدينة قرطبة في أول الأمر مركز ذلك التقدم العلمي وكانت مركز المحدثين والفقهاء والمتكلمين وملتقى الشعراء والأدباء كما كانت في ذلك الوقت أكثر بلاد الأندلس كتبا وأحفلها بالخزائن والمكتبات ثم انتثر كل ذلك في سائر أرجاء الأندلس. وأبو محمد بن حزم ممن عاش الحالتين، فالفترة التي عاش فيها كانت بمثابة فترة انتقال من عهد الخلافة الأموية إلى عهد حكم الطوائف فلم يكن من الغريب على ابن حزم أن يتأثر في تفكيره وأسلوب حياته بما اعتور بلاده من تقلبات وما اختلف عليها من أحداث جعلته لا يستقر بمكان وقد انعكس ذلك على حياته الفكرية فاتسعت آفاقه فألم بالكثير من العلوم والمعارف فهو الإمام المحدث والفقيه المجتهد وهو الأديب الشاعر والفلسفي المنطقي والمؤرخ العالم بالأنساب فكان دوحة وارفة الظلال قد بسقت في مهد العلم ونمت في معدنه وتغذت من نبوعه وبذلك نستطيع أن نقول إنه قد توافرت له أسباب المعرفة كاملة. وكان لما عانى من التشريد والنفي والاشتراك في المؤامرات والتدبيرات التي لم تنجح من جراء الخيانات من ذلك المجتمع عضب اللسان ينازل العلماء والفقهاء ويتحدى بجدله العنيف آراء وعقائد في الفقه والفلسفة والدين فقوبل ذلك من خصومه بالاضطهاد ورموه بالضلال فلم يثن ذلك عزمه ولم يحد من إقدامه فهو المفكر الذي يتحمس لدينه لا تأخذه في الله لومة لائم إلى أن مضى لسبيله. (١)


(١) انظر ابن حزم الأندلسي للدكتور زكريا إبراهيم ص ٢٥، ٢٨.

<<  <   >  >>