للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من التدفئة والإضاءة والإهتداء بهن في الأسفار ليلًا ونهارًا وليعلموا بجريهن عدد السنين والحساب ويفصلوا بهن بين الليل والنهار. وذكر سبحانه ما خلق لنا من صنوف النعم المختلفة الألوان في الأرض وما في البحار من لحوم طرية وحلي زكية وهما من أعظم النعم أكلًا ولبسًا. وقد سخر البحر لتجري الفلك فيه بأمره ليسهل الحصول عليهما والانتفاع من غيرهما بالأسفار والاتجار.

ثم ذكر تعالى نعمة عظيمة امتن بها علينا وهي القاء الرواسي في الأرض حتى لا تضطرب فلا يستقر عليها شيء يقول ابن القيم: "لما كانت على وجه الماء كانت تكفأ فيه تكفأ السفينة فاقتضت العناية الأزلية والحكمة الإلهية أن وضع عليها رواسي يثبتها بها لئلا تميد وليستقر عليها الأنام وجعلها ذلولًا". (١) فأجرى فيها الأنهار وسلك فيها الطرق بين الجبال والأودية يقول {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} في سيركم من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر ومن إقليم إلى إقليم (٢) وجعل العلامات التي يهتدي بها المسافرون في الليل والنهار وفي البر والبحر كالشمس والجبال وغيرهما نهارًا في البر، والشمس نهارًا في البحر، وليلًا بالقمر والنجوم برًا وبحرًا.

ومن الآيات التي تجمع بين دليل الخلق ودليل العناية قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} (٣) ففي إحياء الأرض الميتة بالنبت إشارة إلى الخلق والإيجاد، وفي قوله {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} "تنبيه على دلالة العناية الإلهية والآيات التي تجمع الدليلين في القرآن كثيرة جدًّا وكلها تتضمن ما عداها من


(١) التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص ٢١٧. وقول ابن القيم فيه نظر.
(٢) انظر جامر البيان عن تأويل القرآن للطبري تحقيق وتخريج محمود شاكر جـ ١٦ ص ٣٢٦.
(٣) سورة يس آية (٣٣).

<<  <   >  >>