للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفي الجواب لهذا السؤال مطلقًا حتى في علم الله تعالى إلا ما أجاب به موسى عليه السلام ليس على إطلاقه.

أما في علم الله تعالى فهو أعلم بحقيقة نفسه، ولا شك بأن له حقيقة هو أعلم بها لا نعلمها.

وأما فيما بيننا فلا جواب إلا ما أجاب به موسى.

وبيان ذلك زيادة على ما ذكر ابن حزم من تصديق الله تعالى له. أن السؤال "بما" طلب لتعريف حقيقة الشيء، وتعريف حقيقة الشيء إما أن يكون بتلك الحقيقة نفسها، أو بجزء من أجزائها، أو بشيء خارج عنها، أو بما يتركب من الداخل والخارج.

أما تعريف حقيقة الشيء بنفسها فمحال، لأن تعريف الشيء بنفسه لم يفد زيادة على ما هو معلوم فهو تكرار لا تعريف، إذ يلزم أن يكون الشيء معلومًا قبل أن يكون معلومًا وهو محال.

وأما تعريفها بالأمور الداخلة فيها فمستحيل ذلك في حق واجب الوجود لأن التعريف بذلك لا يتم إلا إذا كان المعرف مركبًا من أجزاء ويستحيل أن يكون الله تعالى بحاجة إلى غيره أو إلى شيء خارج عن ذاته، ويستحيل لهذا أيضًا التعريف بالأجزاء بالنسبة لواجب الوجود، لأنه تبارك وتعالى فرد صمد غني عما سواه. ولما بطل التعريف بتلك الأقسام، ثبت أنه لا يمكن تعريف ماهية واجب الوجود إلا بلوازمه وآثاره واللوازم قد تكون خفية وقد تكون جلية، ولا يجوز تعريف الماهية باللوازم الخفية بل لابد من تعريفها باللوازم الجلية وهو ما أجاب به موسى عليه السلام فرعون. (١).

فإن قيل: وهل جواب موسى عليه السلام لفرعون هو ما سأل عنه؟


(١) انظر التفسير الكبير للرازي جـ ٢٤ ص ١٢٨، ١٢٩.

<<  <   >  >>