للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمانع من حمل الأصبعين في الحديث هذا على النعمتين أن القلب إذا كان بين نعمتين فهو محاط بهما فلو مال عن واحدة أصاب الأخرى فلا وجه للدعاء بالتثبيت حتى على تأويل ابن حزم بقوله: "إما كفاية تسره، وإما بلاء يأجره عليه" لأنه على طاعة في كلتا الحالتين فلا وجه لطلب التثبيت.

يقول ابن قتيبة بعد أن أورد الحديث وذكر القول بتأويله بالنعم "ونحن نقول: إن هذا الحديث صحيح، وإن الذي ذهبوا إليه في تأويل الأصبع، لا يشبه الحديث، لأنه عليه السلام قال في دعائه "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" فقالت له إحدى أزواجه: "أو تخاف يا رسول الله على نفسك؟ فقال: "إن قلب المؤمن، بين أصبعين من أصابع الله عز وجل". فإن كان القلب عندهم بين نعمتين من نعم الله تعالى فهو محفوظ بتينك النعمتين، فلأي شيء دعا بالتثبيت، ولم احْتَجّ على المرأة التي قالت له: أتخاف على نفسك - بما يؤكد قولها وكان ينبغي أن لا يخاف، إذا كان القلب محروسا بنعمتين. (١)

وبهذا يتضح أن حمل الأصبعين في الحديث على النعمتين غير صحيح ولا يستقيم معنى الحديث على هذا التأويل فالحمل عليه خطأ بين. فإن قيل: إذا لم يمكن حمل الأصبعين في الحديث على النعمتين فيمكن أن يقال: إن في لفظ الحديث، كناية عن سرعة تقليبه تعالى قلوب عباده، وأن ذلك أمر معقود بمشيئته سبحانه وتعالى. (٢) قلنا إن كان في لفظ الحديث كناية، فهو دليل أيضا على


(١) تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص ٢٠٩).
(٢) انظر لسان العرب (١٠: ٦٠).

<<  <   >  >>