للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الآخذ من النهر الصغير على الدرب المتصل بقصر الزاهرة. (١)

وعن صفة هذه الدار يحدثنا في موضع آخر من الطوق عند ذكر قصة الفتاة التي ألفها في أيام صباه. يقول: "فلعهدي بمصطنع كان في دارنا لبعض ما يصطنع له في دور الرؤساء، تجمعت فيه دخلتنا ودخلة أخي - رحمه الله - من النساء ونساء فتياتنا ومن لاث بنا من خدمنا، ممن يخف موضعه ويلطف محله فلبثن صدرًا من النهار ثم انتقلن إلى قصبة كانت في دارنا مشرفة على بستان الدار، ويطلع منها على جميع قرطبة وفحوصها مفتحة الأبواب فصرن ينظرن من خلال الشراجيب وأنا بينهن فإنى لأذكر أني كنت أقصد نحو الباب الذي هي فيه أنسا بقربها متعرضا للدنو منها، فما هو إلا أن ترانى في جوارها فتترك ذلك الباب وتقصد غيره في لطف الحركة، فأتعمد أنا القصد إلى الباب الذي صارت إليه فتعود إلى مثل ذلك الفعل من الزوال إلى غيره". (٢)

تصف لنا هذه القصة القصر الذي عاش فيه أبو محمد وأنه ذو شرفات تطل على قرطبة وما كان يحيط به من الحدائق، ثم الحالة الاجتماعية في هذا القصر الكبير، لأن المنصور عندما بنى الزاهرة، وانتقل إليها أقطع ما حولها لوزرائه وكتابه وقواده فابتنوا به مساكنهم على ما يتلاءم مع - الزاهرة التي كانت في غاية الجمال فتنافس الشعراء بوصفها فكان لها أثر كبير في الحركة الأدبية.

نشأ أبو محمد في هذا البيت في عز وجاه عريض، ومن الغريب سكوت المصادر التي اطعلنا عليها عن "أمه" مع أنه من أبناء كبار


(١) انظر طوق الحمامة ص ١٦٨.
(٢) المرجع السابق ص ٢٤٩.

<<  <   >  >>