للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأقدار، واخترمتها الليالي، ومر النهار، وصارت ثالثة التراب والأحجار، وسنى حين وفاتها دون العشرين سنة، وكانت هي دوني في السن فلقد أقمت بعدها سبعة أشهر لا أتجرد عن ثيابي، ولا تفتر لي دمعة على جمود عيني وقلة إسعادها وعلى ذلك فوالله ما سلوت حتى الآن. ولو قبل فداء لفديتها بكل ما أملك من تالد وطارف، وببعض أعضاء جسمي العزيزة علي مسارعًا طائعًا، وما طاب لي عيش بعدها ولا نسيت ذكرها، ولا أنست بسواها، ولقد عفى حبي لها على كل ما قبله، وحرم ما كان بعده". (١) ويمكن أن هذا الحادث كان في سنة ثلاث وأربعمائة تقريبًا.

ولم يصف الجو لصاحبنا بعد هذه الرزايا الفادحة بل تتابعت عليه المصائب كنظام انقطع سلكه، فأعقب ما ذكرنا بزمن قليل، انتهاب جند البربر منازلهم، وأجلو منها، وأوثق من يحكى تلك الوقائع من وقعت عليه ومن أثرها حز في نفسه، وهو أبو محمد إذ يقول في الإخبار عن هذه الكارثة: "ثم ضرب الدهر ضرباته وأجلينا من منازلنا، وتغلب علينا جند البربر فخرجت من قرطبة أول الحرم سنة أربع وأربعمائة". (٢)

ويذكر هذه الحادثة في موضع آخر وما جرى له بعدها من تقلبات الأحوال ما بين نكب واعتقال إلى حوالي سنة تسع وأربعمائة فيقول: "ووقع انتهاب جند البربر منازلنا في الجانب الغربي بقرطبة ونزولهم فيها .. وتقلبت بي الأمور إلى الخروج من قرطبة وسكني مدينة


(١) المرجع السابق ص ٢١٦، ٢١٧.
(٢) طوق الحمامة ص ٢٥٢.

<<  <   >  >>