للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} (١).

يقول ابن القيم: "لو كان فعله مجردًا عن الحكم والغايات والمصالح لكان الملائكة أعلم به إن سألوا هذا السؤال، ولم يصح جوابهم بتفرده بعلم ما لا يعلمونه من الحكم والمصالح التي في خلق هذه الخليقة.

ولهذا كان سؤالهم إنما وقع عن وجه الحكمة، لم يكن اعتراضًا على الرب تعالى، ولو قدر أنه على وجه الاعتراض فهو دليل على علمهم أنه لا يفعل شيئًا إلا لحكمة، فلما رأوا أن خلق هذه الخليقة مناف للحكمة في الظاهر سألوه عن ذلك.

ومن هذا قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (٢) فأجابهم بأن حكمته وعلمه يأبى أن يضع رسالاته في غير محلها وعند غير أهلها، ولو كان الأمر راجعًا إلى محض المشيئة لم يكن في هذا جواب. بل كان الجواب أن أفعاله لا تعلل وهو يرجح مثلًا على مثل بغير مرجح والأمر عائد إلى مجرد القدرة كما يقوله المنكرون" (٣).

وذكر الله تعالى في القرآن أنه أعلم في مواضع كثيرة ومختلفة مخبرًا بها أنه فعل ما فعل عالمًا بكل ما سيكون عليه المفعول.

وعلى هذا فلا يكون فعله للأشياء إلا لغرض وغاية هو أعلم بها.


(١) سورة البقرة: آية (٣٠).
(٢) سورة الأنعام: آية (١٢٤).
(٣) شفاء العليل ص (٤٢٧).

<<  <   >  >>