للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أوجه النفي: أن القول بأن الله لو خلق لعلة لزم قدم العلول فيكون مع الله تعالى غيره لم يزل، لا يتم إلا على قول الفلاسفة القائلين بأن المبدع علة تامة موجب بذاته، وبطلان هذا ظاهر لأن العلة التامة تستلزم معلولها فلا يجوز أن يتأخر عنها شيء من معلولها، والحوادث مشهورة في العالم.

ويمتنع أن يكون الحادث صادرًا عن علة تامة أزلية، لأن معلولها لا يتأخر عنها فيلزم من ذلك أن لا يحدث شيء في العالم، وحدوث الحوادث دليل على أن فاعلها ليس بعلة تامة في الأزل حيث تخلف عنها معلولها فليس هناك شيء قديم من الخلق، وهذا لا ينفي أن يكون الله تعالى لم يزل متصفًا بصفاته وأفعاله، فهو لم يزل فعالًا وإذا قدر أنه فعال لأفعال تقوم بنفسه، أو مفعولات حادثة شيئًا بعد شيء كان ذلك وفاء بموجب هذه الحجة مع القول بأن كل ما سوى الله محدث مخلوق كائن بعد أن لم يكن كما أخبرت الرسل أن الله - خالق كل شيء وأخبر هو سبحانه عن نفسه بقوله: "ذلكم الله ربكم خالق كل شيء" (١).

وقوله: "الله خالق كل شيء" (٢) وإن كان النوع لم يزل متجددًا كما في الحوادث المستقبلة كل منها حادث مخلوق، وهي لا تزال تحدث شيئًا بعد شيء والمخلوق لا يكون إلا مسبوقًا بالعدم، والقرآن يدل على أن ما سوى الله تعالى مخلوق محدث فليس شيء من الموجودات مقارنًا لله تعالى وتقدس. والمحدث المعين لا يكون أزليًا، سواء


(١) سورة غافر: آية (٦٢).
(٢) سورة الرعد: آية (١٦) وسورة الزمر: آية (٦٢).

<<  <   >  >>