للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعهود بيننا لأن إجراءها على ذلك تشبيه له تعالى بخلقه، وهو لا يوصف بشيء من صفات العباد فلو شاء لهدى كل كافر يقول سبحانه: "قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين" (١).

ولا حد لقدرته سبحانه فكل ما خلق شيئًا صغيرًا أو ضعيفًا أو كبيرًا أو قويًّا أو مصلحة فإنه أبدًا بلا نهاية قادر على خلق أصغر منه وأضعف وأقوى وأصلح ومع عدم فعله شيئًا من ذلك لايعد ظالمًا ولا بخيلًا ولا ممسكًا ولا عاجزًا، ويدل على قدرته قوله تعالى: "إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" (٢). وقوله "قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس" (٣). لأنه تعالى نص على أنه هو المطلوب منه العون لنا والهدى إلى صراط من خصه بالنعمة عليه لا إلى صراط من غضب عليه تعالى وضل فلولا أنه تعالى قادر على الهدى المذكور وأن عنده عونًا على ذلك لا يؤتيه إلا من شاء دون من لم يشأ وأنه تعالى أنعم على قوم بالهدى، ولم ينعم به على آخرين لما أمرنا أن نسأله من ذلك ما ليس يقدر عليه أو ما قد أعطانا إياه. ونص سبحانه على أنه قادر على صرف وسوسة الشيطان.

فلولا أنه تعالى يصرفها عمن يشاء لما أمرنا عز وجل أن نستعيذ مما لا يقدر على الإعاذة منه أو مما قد أعاذنا منه.

ويقرر ابن حزم قدرة الله تعالى على فعل ما لو فعله بجميع الكفار


(١) سورة الأنعام: آية (١٤٩).
(٢) سورة الفاتحة: الآيات (٥ - ٧)
(٣) سورة الناس: الآيات (١ - ٦).

<<  <   >  >>