للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(يقول أبو محمد): "إن مجيء الرسل قبل أن يبعثهم الله تعالى واقع في باب الإِمكان وأما بعد أن بعثهم الله عز وجل ففي حد الوجوب ثم أخبر الصادق عليه السلام عنه تعالى أنه لانبي بعده فقد جدّ الامتناع" (١).

واستدل على الإمكان بالقول "بأنه لما صح أن الله تعالى أخرج العالم كله إلى الوجود بعد أن لم يكن بلا كلفة ولا معاناة ولا طبيعة ولا استعانة ولا مثال سلف ولا علة موجبة ولا حكم سابق قبل الخلق يكون ذلك الحكم لغيره تعالى فقد ثبت أنه لم يفعل إذا لم يشأ وفعل إذا شاء كما شاء فيزيد ما شاء وينقص ما شاء فكل منطوق به مما يتشكك في النفس أو لا يتشكك فهو داخل له تعالى في باب الإمكان. ويقول: إن الممكن واقع في العالم وقوعًا واحدًا ألا ترى أن نبات اللحية للرجال ما بين الثمان عشرة إلى العشرين سنة ممكن وهو في حدود الإثني عشر سنة إلى العامين ممتنع وإن فك الإِشكالات العويصة واستخراج المعاني الغامضة وقول الشعر البديع وصناعة البلاغة الرائقة ممكن لذى الذهن اللطيف والذكاء النافذ وغير ممكن من ذي البلادة الشديدة والغباوة - المفرطة فعلى هذا ما كان ممتنعًا بيننا إذ ليس في بنيتنا ولا في طبيعتنا ولا من عادتنا فهو غير ممتنع على الذي لا بنية له ولا طبيعة له ولا عادة عنده ولا رتبة لازمة لفعله فإذا قد صح هذا فقد صح أنه لا نهاية لا يقوى عليه تعالى فصح أن النبوة ممكنة. وهي بعثة قوم قد خصهم الله تعالى بالفضيلة لا لعلة إلا أنه شاء ذلك، فعلمهم الله تعالى العلم بدون تعلم ولا تنقل في مراتبه ولا


(١) الفصل لابن حزم (١: ٦٩).

<<  <   >  >>