للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد نيف وعشرين سنة من أيامه واستولى على سبته وفاس من بلاد المغرب. (١) وكان كثير الجهاد بنفسه فأوطأ عساكر المسلمين من بلاد الإفرنج ما لم يطؤوه من قبل ومدت إليه أمم النصرانية يد الإذعان وأرسلوا إليه رسلهم وهداياهم في سبيل المهادنة والسلم فبلغت دولة الإسلام في عهده مبلغا لا ينال. (٢) يقول ابن حزم: "إن دولة بني أمية بالأندلس كانت أنبل دول الإسلام وأنكاها في العدو قد بلغت من العز والنصر ما لا مزيد عليه". (٣)

وقد دامت خلافة عبد الرحمن الناصر نصف قرن من الزمن بلغت بلاد الأندلس فيها الذروة من العز والسؤود والرفعة، فقد قضى على الاضطرابات السائدة وأدب الخارجين عليه وقهر أعداءه وأرهب الأسبان فعم الرخاء والأمن أرجاء الأندلس وما تبعه من المغرب إلى أن توفي سنة خمسين وثلاثمائة فأتى بعده ابنه الحكم بن عبد الرحمن ويلقب بالمستنصر بالده وكان حسن السيرة وسار على سيرة أبيه ولكن مدته لم تطل كأبيه حيث توفي سنة ٣٦٦ هـ، (٤) وبوفاته انقضى العصر الذهبي للأندلس وبدأ عصر الفوضى والاضطراب والتغلب على الخليفة، ولم يأت بعده من الأمويين خلفاء كالسابقين إلا إسما حيث تولى بعد الحكم المستنصر ابنه هشام المؤيد وكان دون البلوغ فمن الطبيعي أن يستبد بالأمر أحد الأوصياء على الخليفة الصغير فظهر المنصور ابن أبي عامر وضبط الأمور بقوة شخصيته ودهائه ونجح في السيطرة على مقاليد الأمور ورسم لنفسه خطة بارعة للقضاء على


(١) انظر نفح الطيب للمقرى ج ١ ص ٣٤٠.
(٢) انظر المرجع السابق ص ٣٣٠، ٣٣١.
(٣) انظر المرجع السابق ص ٣٠٦.
(٤) وقد دامت خلافته ست عشرة سنة. انظر جذوة المقتبس للحميدى ص ١٦.

<<  <   >  >>