للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب - " لبنان الطائفي ": (١)

أريد من هذا الكتاب أنْ يكون «رَدًّا» على كتاب " التبشير والاستعمار "، ولكنه جاء سَنَدًا له وشهادة مُزكَّاةً فيه. ثم إن صاحبه قد ذكر فيه أشياء لو ذكرناها نحن أو لو ذكرنا مثلها لأثرنا عاصفة هوجاء تضيع في ريحها الغاية التِي تَوَخَّيْنَاهَا.

أَلَّفَ هَذَا الكِتَابَ أنيس صايغ، وهو مثلنا خِرِّيجُ الجامعة الأمريكية في بيروت. ونشر الكتاب «دار الصراع الفكري»، وهي مؤسسة يشرف عليها الحزب القومي السوري. فإذا كان أنيس صايغ قد أَلَّفَ هَذَا الكِتَابَ بدافع من نفسه هو فقد وجب علينا شكره لأنه عرض للموضوع بإخلاص. ومع أنه قد نسب إلى الإسلام وإلى نفر من المسلمين تُهَمًا مُتَعَدِّدَةً، فإننا نغتفر له هفواته فيها لقلة عنايته بالتاريخ وتعليله وَلِحَدَاثَةِ سِنِّهِ وَضَآلَةِ اِخْتِبَارِهِ. ثم إنه قد عرض للطائفية وإثارة الفتن توصلاً إلى الاستعمار، وخصوصًا في سورية ولبنان، بصراحة وإصرار نَزْعًا عن الدسائس الاستعمارية في بلادنا ستارًا كان كثيفًا. ومع أن أنيس صايغ قد حاول أنْ «يُوَزِّعَ» التُّهَمَ بين الذين اتَّهَمَهُمْ بالسوية، فإنه جعل مركز الثقل في مكان دون مكان، لأن ضميره كان مستيقظًا وهو يؤلف كتابه، سوى غفوات يسيرة كان يذكر فيها «المسيحيين» وهو يقصد «البِيزَنْطِيِّينَ». ولكنه كان أحيانًا يعود فيستيقظ وشيكًا ليذكر البيزنطيين من غير أن يحاول الإيحاء للقارئ، من طريق تسميتهم باسم آخر، بأنهم من أهل البلاد الوطنيين. والواقع أن المراجع التي أخذ عنها قد خدعته كثيرًا في هذا الشأن.

وأما إذا كان أنيس صايغ قد استجاب في تأليف كتابه لنفر أفلتت الإشارة إليهم منه في مواضع ظاهرة في ثنايا كتابه، فإن علينا أيضًا أن نشكره. لقد أرادوا منه أن يحملهم على ضميره فحملهم على علمه، وأرادوا منه أن يعينهم على خصومهم فأعان الحق عليهم.

إننا نحن لا نزال نعتقد أن التبشير كله شر. لأن الأمريكيين والإنجليز والفرنسيين والهولنديين ومن لَفَّ لَفَّهُمْ يقولون خيرًا بأفواههم بينما آثار أيديهم ظاهرة لنا في فلسطين والمغرب والهند الصينية وقبرص وكشمير وجنوبي أفريقيا وفي الولايات المتحدة نفسها.

إن على هؤلاء كلهم أن يغسلوا أيديهم من دماء ضحاياهم على الأقل قبل أن يمثلوا على


(١) تأليف أنيس صايغ، دار الصراع الفكري، بيروت ١٩٥٥.

<<  <   >  >>