للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن وسائلهم أنهم إذا دخل في خدمتهم رجل لا ينتمي إلى مذهبهم حملوه على الدخول فيه. عمل شاب درزي في المطبعة الأمريكانية فصبأ إلى المذهب البروتستانتي. ثم عمل بعد ذلك في المطبعة الكاثوليكية فانتقل إلى المذهب الكاثوليكي (١). ولعل هذا الشاب ظل درزيًا ولكنه كان لحاجته إلى العمل يتظاهر أمامهم بما يريدونه منه.

وكان المبشرون يتخذون من زيارة المسجونين ومن العمل في المستشفيات وسيلة إلى التبشير (٢). في الحرب العالمية الأولى أخذت الدولة العثمانية عددًا من الراهبات للعمل في المستشفيات والمياتم، فقال الكتاب المئوي اليسوعي عن هؤلاء: «وَفِي مَنْصِبِهِنَّ الجَدِيدِ بَقِيَتْ الأَخَوَاتُ المُبَشِّرَاتُ يُلَقِّنَّ التَّعْلِيمَ المَسِيحِيَّ وَيُعْدِدْنَ لَلْمُنَاوَلَةِ الأُولَى، وَيُعَلِّمْنَ الصَّلَوَاتِ عَلَى الرَّغْمِ مِنَ التَّحْذِيرِ وَالتَّهْدِيدِ اللَّذَيْنِ كَانَ المُفَتِّشُونَ الأَتْرَاكَ يُوَجِّهُونَهُمَا إِلَيْهِنَّ» (٣). وهكذا كان المبشرون والمبشرات يتقدمون إلى الإنسانية بوجه من فعل الخير والسهر على المتألمين بينما هم ينفذون من خلال هذه الآلام المبرحة إلى طرق جديدة للتبشير. ومع أنهم لم ينجحوا إلا قليلاً، فإنهم أدخلوا إلى نفوس الكثيرين آلامًا جديدة كثيرة ووصموا الضمير الإنساني بالنفاق.

وكانت قلة الذوق بالمبشرين تبلغ إلى حد أن أحدهم لم يكن يتأخر عن عرض بضاعته في التبشير بين أهل الميت، والميت لا يزال بين أهله. ذهب المبشران (كلهون) (٤) و (جسب) يعزيان بوفاة شاب درزي. فما أن استقر بـ (كلهون) المقام حتى قال (٥): «مَا رَأَيْتُ جَسَدًا مَيِّتًا لأَخٍ لِي فِي الإِنْسَانِيَّةِ إِلاَّ مُلِئْتُ اِشْمِئْزَازًا، بَلْ مُلِئْتُ بُغْضًا. أَجَلْ مُلِئْتُ بِبُغْضِ الخَطِيئَةِ التِي أَتَتْ بِالمَوْتِ إِلَى هَذَا العَالَمِ وَكَانَتْ سَبَبَ أَحْزَانِنَا وَاضْطِرَابِنَا وَآلاَمِنَا. فَلِمَ لاَ نَمْقُتُ الخَطِيئَةَ إِذَنْ ثُمَّ نُحِبُّ ذَلِكَ الذِي لَمْ يَعْرِفْ الخَطِيئَةَ، وَلَكِنَّهُ ذَاقَ المَوْتَ فِي سَبِيلِ كُلِّ إِنْسَانٍ آخَرَ؟». يقصد (كلهون) أنه يكره الميت، إذا كان غير مسيحي، إذ أنه يموت وهو مملوء بالخطيئة، أما الميت المسيحي فإن المسيح يكون قد حمل عنه خطاياه لَمَّا مَاتَ فِدَاءً عَنْ البَشَرِ، كما يقول النصارى.

ونحن لا نعلم مكانًا ينبو فيه الذوق عن مثل هذ العمل كالمآتم. لقد جهل هؤلاء كلهم أن للموت حرمة ورهبة. ثم إنهم طعنوا النفس الإنسانية حينما ظنوا أنها تصل إلى الله


(١) Les Jésuites en Syrie ١٢ :٢٧
(٢) ibid ٧ : ٢٨, ١١ : ٢٤
(٣) ibid ١١ : ٢٤
(٤) Rev. H. S. Calhoun
(٥) Jessup ١٠١

<<  <   >  >>