للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكلمات تلقن أو بإشارات تمثل. وبعد ذلك كله نسوا أن بين قلب كل إنسان وبين الله طريقًا يسلكه الإنسان نفسه بلا قائد ولا وسيط.

ولما خابت هذه الأساليب كلها عمد المبشرون إلى الرشوة يفسدون بها ضمائر الذين يستميلونهم. حينما ظهر اليسوعيون للمرة الأولى في شرق الأردن رَشَوْا نَفَرًا من النصارى الأرثوذكس للانضمام إلى الكنيسة الرومانية (١). على أن البروتستانت كانوا أشد إيغالاً في إفساد الضمائر، فقد اتخذوا سماسرة يجلبون لهم الذين كانوا يرضون أن يبدلوا دينهم، وكانوا يدفعون عن كل رأس عشرة قروش ذهبًا (٢).

على أن إعداد المبشرين يختلف بين زمن وآخر. وكذلك طرق التبشير اختلفت من جيل إلى جيل، ومن قُطْرٍ إلَى قُطْرٍ. فبينما كان التبشير في القرن التاسع عشر خَاصًّا بأشخاص اتخذوا التبشير عملاً لهم ثم حاولوا نشر النصرانية بجدال المسلمين ومحاولة تبيان فضل النصرانية على الإسلام وبإصرار على الجانب الغيبي من حياة المسيح، وجدنا زعماء التبشير في العالم البروتستانتي خاصة يرون أن هذا المظهر الديني الصارخ يعرقل أعمال المبشر (٣). من أجل ذلك يرى المبشر الأمريكي المشهور (جون رالاي موط) في كتابه " خمسة عقود ونظرة إلى المستقبل "، الذي أصدره في عام ١٩٣٥، صواب الحركة التي بدأت في مطلع القرن العشرين، وفي الولايات المتحدة خاصة، تلك الحركة التي استغلت الطلاب والأساتذة وعوام الناس في التبشير (٤). إن المبشر (جون موط) يعتقد أن المظهر البريء في الطالب والأستاذ والعامي من الناس لا يصرف المسلم مثلاً عن سماع أقوال هؤلاء، بينما الثوب الذي يظهر فيه المبشر يعمل على تنفير القلوب.

وكذلك جعل المبشرون، في السنين الأخيرة، يتركون الطرق الإيجابية المباشرة في نشر آرائهم إلى طرق أكثر التواءً وخفاءً. ويبدو أن هذه الطريق الملتوية الخفية لم تنجح أيضًا. يقول (السير ريدر بولارد)، الذي كان وزيرًا مفوضًا ثم سفيرًا لبريطانيا في إيران من عام ١٩٣٩ إلى عام ١٩٤٦ أن مسلمين كثارًا يقدرون أعمال الجمعيات التبشيرية في التعليم والتطبيب، ولكنهم يصمون آذانهم عن دعوتها الدينية (٥).


(١) Richter ٢٤٧
(٢) Jessup ٣٥
(٣) Middle East Survey, cf ١٧٥ - ٧
(٤) Mott, Five Decades, cf ١ - ٤
(٥) Bullard ١٦٣

<<  <   >  >>