للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بعضُ أهل المدينة: إنما يتبع الأمَّ فقط؛ لأنه يرقُّ برقِّها، ويتحرَّرُ بعتِقها.

وروى ابنُ جُريج، عن سليمان بن موسى أنه قال: «إذا مات طِفلٌ لنصرانيينِ، وله أخٌ من أُمِّهِ مسلمٌ، أو أختٌ مُسلمِة، فإنه يرث منه ما فَرَضَ الله له، والباقي للمسلمين».

وهذا يقتضي أنه يتبعه في الدِّين؛ لأنهم أجمعوا على أنه إذا مات الطفل الذِّميُّ أنَّ أبويه يرِثانه. واستدلُّوا في المسألة بحديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفِطْرة؛ فأبواه يهوِّدانه، وينصِّرانه، ويمجِّسانه» (١).

قالوا: فإذا أسلمَا أو أحدهما فقد فُقِدَ ذلك؛ فنحكم بإسلامه لذلك، وقد قال الإمام أحمد بإسلام الطفل إذا مات أبواه؛ أخذًا بهذا الحديث (٢). ويلزم على هذا: إسلامُ الطفل إذا مات أحد أبويه أيضًا.

على أنه قد حُكي الإجماعُ من الصحابة وغيرهم على خِلاف ذلك؛ فإنه قد كان يقعُ مثلُ ذلك ضرورةً في عصر الصحابة؛ لكثرة أهل الذِّمَّة، ولم يُنقَل أنَّ أحدً (٣) من الصحابة حَكَمَ بإسلام أولادِهم الصِّغارِ لهذا (٤).


(١) أخرجه البخاري (١٣٥٨ و ١٣٥٩ و ١٣٨٤ و ١٣٨٥ و ٤٤٧٥ و ٦٥٩٧ و ٦٥٩٨ و ٦٥٩٩ و ٦٦٠٠)، ومسلم (٢٦٥٨).
(٢) «أحكام أهل الملل» من الجامع للخلال (ص ٢٣ - ٢٦) رقم (٥١ - ٦٠).
(٣) «أحد» كذا بالأصل، وقد تقدم التعليق على هذه المسألة (ص ٤٥) تعليق رقم (٣).
(٤) وعن أحمد رواية ثانية، وهي: لا يحكم بإسلامه، وهذا قول الجمهور. قال شيخ =
= الإسلام ابن تيمية: «وهذا القول هو الصواب، بل هو إجماع قديم من السلف والخلف، بل هو ثابت بالسنة التي لا ريب فيها، فقد عُلم أن أهل الذِّمة كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ووادي القُرى، وخيبر، ونجران، واليمن، وغير ذلك، وكان فيهم من يموت وله ولد صغير، ولم يحكم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإسلام يتامى أهل الذِّمة، ولا خلفاؤه. وأهل الذِّمة كانوا في زمانهم طبق الأرض، بالشام ومصر والعراق وخراسان، وفيهم من يتاماهم عدد كثير، ولم يحكموا بإسلام واحد منهم، فإن عقد الذِّمة اقتضى أن يتولَّى بعضهم بعضًا، فهم يتولون حضانة يتاماهم، كما كان الأبوان يتولَّون تريبتهم».
وعنه رواية ثالثة، وهي: إن كفله أهل دينه فهو باق على أبويه، وإن كفله المسلمون فهو مسلم، نص عليه في رواية يعقوب بن بختان، كما ذكره الخلال في جامعه.
قال ابن القيم: «وهذه الرواية هي أصح الأقوال في هذه المسألة دليلًا، وهي التي نختارها، وبها تجتمع الأدلة، فإن الطفل يتبع مالكه وسابيه، فكذلك يتبع كافله وحاضنه، فإنه لا يستقل بنفسه، بل لا بُدَّ له ممن يتبعه، ويكون معه، فتبعيته لحاضنه وكافله أَولى من جعله كافرًا بكون أبويه كافرين، وقد انقطعت تبعيته لهما، بخلاف ما إذا كفله أهل دين الأبوين، فإنهم يقومون مقامهما، ولا أثر لفقد الأبوين إذا كفله جده، أو جدته، أو غيرهما من أقاربه، فهذا القول أرجح في النظر، والله أعلم». انظر: «شفاء العليل» لابن القيم (٢/ ٨١٢ - ٨١٥).

<<  <   >  >>