للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التطور الفِكْري والمَعرفي للمؤلِّف، ثم يخرجونه للناس مرةً ثانية، وقد يتكرَّر هذا الأمر مرة ثالثة ورابعة. وقد اصطُلِح على تسمية كلِّ إخراجة منها «إبْرَازة»، وهي تُقابل في عصرنا هذا الطبعة أو النشرة (١).

فينبغي لمن يتصدَّى للتحقيق والنشر أن يُراعي هذا الأمر ويتنبَّه له، ولا يمزج الإبرازاتِ المختلفةَ بعضَها ببعض، ويلفِّق بينها؛ لأنه -لو فعل- لأحدث شيئًا لم يكن موجودًا، وتصرَّف بالنصِّ بما ليس هو مخوَّلًا فيه، وهذا لا يتفق مع الأمانة العلمية.

وقد نقل لنا ابنُ عُرْوة إبرازتين للكتاب، تُمثِّل كل إبرازة منهما تأليفًا مستقلًّا للكتاب، الأُولى يرويها عن شيخه ابن كثير مباشرة، والثانية وِجَادة فيما يظهر، أما الأُولى فهي مُسْهَبَةٌ مطوَّلة، والثانيةُ مختصَرة موجَزة، وبعد دراسة الإبرازتين، ترجَّح لي أن الإبرازة المُسْهَبة المطوَّلة هي الأخيرة التي تُوفي عنها ابنُ كثير؛ للأمور التالية:

أولًا: أن الإبرازة المُسْهَبة يرويها ابنُ عُرْوة عن ابن كثير مباشرة، قال في مقدِّمتها: «أنبأني العلَّامة الحافظ المُكْثِر أبو الفداء عماد الدِّين إسماعيل بن عُمر بن كثير القرشي البصراوي الشافعي: الحمدلله … »، وصيغة «أنبأني»


(١) انظر «أصول نقد النصوص ونشر الكتب» للمستشرق الألماني جوتهلف برجستراسر (ص ٢٦)، و «الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات» للدكتور أيمن فؤاد سيد (٢/ ٣٦٤)، وللدكتور كمال عرفات نبهان رسالة دكتوراه غير مطبوعة إلى حينه أسماها «العلاقات بين النصوص في التأليف العربي» (ص ٩٧).

<<  <   >  >>