للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: ١١٠]؛ فلو كان منكَرًا لا متنع سكوتُهم كلِّهم مع انقراضِ عصرهم، ولَمَّا سكتوا عن آخرهم دَلَّ على رضاهم به، وتسويغهم له.

فأما مسألة أمهات الأولاد: فليست كذلك؛ لأنهم قد خالفوه فيها، كما سيأتي (١) عن عليٍّ، وابنِ عباس، وابنِ الزُّبير، وأبي سعيدٍ، وغيرِهم. وهذا عليٌّ رضي الله عنه خَطَبَ الناسَ، وذكر أنه كان هو وعُمرُ قد رأيا أنَّ أُمَّهاتِ الأولاد يَعْتِقنَ بموت السَّادات، ثم رأى عليٌّ -لما وُلِّيَ- إرقاقَهنَّ، فلو كان ما تقدَّم في زمان عُمرَ رضي الله عنه حُجَّةً لما خالفه عليٌّ، وهو أَحدُ الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين رضي الله عنه ودَلَّكَ هذا على أنَّه وعُمرَ لم يَريا ذلك عن نصٍّ بلغهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما قاله البيهقيُّ (٢)، وإنما كان ذلك رأيًا رأوه مِنْ عند أنفسهم؛ ولهذا استجاز (٣) عليٌّ الرجوعَ عنه.

وقال القاضي أبو الوليد سليمان بن خَلَف الباجي (٤): «مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وجماعة الفقهاء من الصحابة والتابعين: أن أُمَّ الولد لا يجوز أن يملكها غير سيدها ببيعٍ ولا هِبةٍ، ولا غير ذلك، ولا تُسلَّم في جِناية، ويضمن سيدُها الجِنايةَ.


(١) (ص ٩٣ - ٩٥).
(٢) «معرفة السنن والآثار» (١٤/ ٤٧٠).
(٣) «استجاز» في الأصل «استخار»، والصواب ما أثبته؛ بقرينة أن ابن كثير كرَّر العبارة في (ص ١٠٢) فقال ثَمَّ: «ومن استجازة علي … ».
(٤) في كتابه «المنتقى شرح الموطأ» (٧/ ٣٦٧).

<<  <   >  >>