وكما عرفوا الأمر بنوعيه بما سبق عرفوا النهي النفسي بأنه طلب الكف عن الفعل بغير كف ونحوه "أي صيغة لا تفعل" وعرفوا النهي اللفظي بأنه القول الدال على طلب الكف عن الفعل بغير لفظ كف ونحوه. وكما لا خلا بينهم فيما مضى من أن صيغة الأمر بخالف صيغة النهي وإنما الخلاف بينهم في أن الشيء المعين إذا طلب بصيغة الأمر المعلومة "افعل" فهل يكون ذلك الأمر نهيا عن ضده أو مستلزما له معنى أن ما يصدق عليه أنه أمر نفسي هل يصدق عليه أنه نهي عن ضده أو مستلزما له "كاضرب زيدا" هل هي نهي عن ضد الضرب وهو عدم الضرب أم تستلزم عدم الضرب أي هل تكون أمرا بالضرب ونهيا عن عدم الضرب ولم يجتمع الضدان لأن المحلان مختلفان. فاضرب دلت على وجوب الضرب واضرب دلت على على عدم الضرب فهذه دلالة وضعية مطابقية لأنها جمعت الأمر والنهي والثانية: التزامية لأنه لتحقق المأمور به لا بد من ترك أضداد المأمور به فدلت التزاما وقبل ذكر المذاهب يجب أن نبين أن عبارة القوم قد اختلفت في التعبير عنها كالآتي: فمنهم من عبر عنها بقوله "الأمر بالشيء نهي عن ضده أو يستلزم النهي عن ضده" ومنهم من عبر "وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه" والمؤذنة بين هاتين العبارتين تتطلب القرق بين الضد والنقيض لورودهما فيهما وبيانه: أن كل واجب كالقعود مثلا المطلوب بقولنا: اقعد له منافيان أحدهما ضدا والآخر يسمى نقيضا فالضد القيام - الحركة - والنقيض واحد وهو عدم القيام فالضد منافي وجودي والنقيض منافي عدمي وكل منهما يغاير الآخر "من الضد والنقيض لأن عدم القيام أعم من الخاص" لأن النقيض ينافي الواجب بذاته "فعدم القعود ينافي القعود بالذات والقيام ينافي القعود بواسطة عدم القعود فالقيام يحقق عدم القعود فنافى اقعد بواسطة عدم القعود" وهو عدم القعود إذ النقيضان هما الأمران "الوجوديان" الذي أحدهما وجوديا والآخر عدميا لا يجتمعان ولا يرتفعان "فكونهما لا يجتمعان ولا يرتفعان فهما متنافيان بذاتهما". كالقعود وعدمه في مثالنا: بخلاف الضد كالقيام فإنه ينافيه بالعرض أي باعتبار أنه يحقق المنافي بذاته وهو النقيض أي: يحقق عدم القعود لأن الضدان هما الأمران الوجوديان اللذان لا يجتمعان وقد يرتفعان كالقعود والقيام فإنهما لا يجتمعان في شخص واحد في وقت واحد وقد يرتفعان ويأتي بدلهما الاضطجاع مثلا "فلتحقق النقيض لا بد من ترك أضداد المأمور به فتأمل إلا أن كل واحد من أضداد القعود يحقق النقيض لأنه فرد من أفراده فلم يكن التنافي بين الواجب وضده ذاتيا بل لأن أحدهما يحقق نقيض الآخر الذي ينافيه بالذات هذا إذا كان.........=