قلنا قد بينا أن العرب لم تقسم الألفاظ إلا على قسمة المعانى ووجدنا صيغة للعموم صيغة امتاز بها عن صيغة الخصوص ومراتب الأسماء مبنية على مراتب المسميات فلا بد لها من معنى يمتاز بها عن غيرها وقد وجدنا لها ظاهرا يهيأ العلم به فلم وجب التوقف فيه مع وجود سمة امتازت بها عن غيرها من السمات ووضوح دلالة منها يصلح اللفظ لها فهل هذا إلا ضرب الأسماء فى بعضها ببعض وتعكيس اللغة ودفع البيان منها وأما الأسامى المشتركة فهى ألفاظ معدودة وكلمات يسيرة كقولهم حيوان ولون وعين وأمثال ذلك وليس إذا لم يوجد فى اللغة إلا أشياء يسيرة ظاهرة تصار إليه ومعان متعينة لها ما يجب أن تتوقف عن سائر الأشياء التى لها ظواهر معلومة ودلائل معروفة ولهذا إذا ذكر الحيوان واللون والعين لم يتبادر إلى الفهم شىء من معانيها المشتركة دون شىء بل يكون فى موقف واحد من التسابق إلى الفهم والبدار إلى المراد وأما لفظ العموم فيتبادر منه إلى الفهم الشمول والاستغراق وهذا شىء تبين لا خفاء به أصلا.
دليل آخر أن القائل إذا قال من دخل دارى ضربته حسن أن يستثنى منه كل عاقل شاب والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته فإذا لولا الاستثناء لوجب دخول كل عاقل تحت لفظة من فلو كانت لفظة من غير مقتضية للشمول والاستغراق لما وجب دخول كل عاقل تحتها ولما صح الاستثناء منها هذا دليل معتمد قالوا: ما أنكرتم أن يكون الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لصلح دخوله تحته فعلى هذا صح استثناء كل عاقل لأنه يصلح دخوله كل عاقل تحته لأنه دخل تحته حقيقة.
والجواب أنه لو جاز الاستثناء بهذا الوجه لحسن أن نقول اضرب رجلا إلا زيدا أو رأيت رجلا إلا زيدا لأن كل رجل يصلح دخوله تحت قوله ضربت رجلا فقد صلح دخول زيد فى اللفظ ولم يصح استثناؤه فدل أن الاستثناء إنما يصح فى مسائلنا لدخول المستثنى منه تحته حقيقة نبين ما قلناه أن الاستثناء يحسن دخوله فى العشرة مثل أن يقول القائل لفلان على عشرة إلا واحدا واثنين وإنما حسن دخوله على العشرة لأنه أخرج منها ما لولاه لدخل فيها.
ألا ترى أنه لا يحسن استثناء كلها ولا استثناء ما لم يدخل تحتها فكذلك هاهنا لما حسن الاستثناء بأن نقول أعط من دخل دارى إلا الطوال منهم وكان هذا الاستثناء.