للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقة عرفنا قطعا أن المستثنى كان داخلا تحت الفظ المذكور وأما تعلقهم فى حجتهم بفصل الاستثناء.

وقولهم أنه لو كان اللفظ الوارد فى العموم للاستيعاب والاستغراق لكان الاستثناء نقضا ورجوعا.

قلنا لا يكون نقضا ولا رجوعا لأن ظاهر العموم عنده الاستغراق إذا تجرد عن الاستثناء أو ما يجري مجراه وإذا استثنى فلم تجرد.

ونقول أيضا أن لفظ العموم يقتضى استغراق ما دخل عليه وإذا كان معه استثناء فهو داخل على ما عدا المستثنى ولا جرم هو مستغرق له.

وأما قولهم أنه إذا عدد أشخاصا ثم استثنى شخصا واحدا منهم لا يجوز فيجب أن يكون اللفظ العام كذلك.

قلنا هذا كما يلزمنا يلزمكم لأنكم تقولون أن لفظ العموم حقيقة فى الاستغراق وحقيقة فى البعض لأنه اسم مشترك يتناول الكل ويتناول البعض فيكون حقيقة فيها مثل اللون والحيوان ثم قلتم إذا أراد الاستيعاب واستثنى يصح ولو أنه عدد الأشخاص ثم أنه استثنى لا يصح وهذا لأن الاستثناء إنما يحسن فى لفظ واحد يشمل أشخاصا ثم يستثنى بعض الأشخاص فأما إذا تعدد الألفاظ فيصير كل لفظ كالمنفرد عن صاحبه فإذا استثنى فيكون كأنه استثنى الكل من الكل وهذا لا يجوز لأن الاستثناء حقيقة هو استثناء البعض من الكل.

دليل آخر وهو أن أهل اللغة فرقوا بين العموم والخصوص وجعلوا أحدهما فى مقابلة الآخر فقالوا: مخرج هذا اللفظ العموم ومخرج هذا الخصوص كما فصلوا بين الأمر والنهى وكما وجب أن يكون لكل واحد منهما لفظ يخصه فكذلك العموم والخصوص يدل عليه أنهم خالفوا بين تأكيد العموم والخصوص وجعلو تأكيد أحدهما مخالفا لتأكيد الآخر فقالوا: رأيت زيدا نفسه ولم يقولوا رأيت زيدا أجمعين وقالوا: رأيت القوم أجمعين ولم يقولوا رأيت القوم نفسه وكما أن تأكيدهما مختلفان فكذلك وجب أن يختلفا لأن من حق التأكيد أن يطابق المؤكد.

واعلم أن الفقهاء والمتكلمين قد استكثروا من الدلائل فى هذه المسألة غير أنا اقتصرنا على أعداد منها معتمدة وأصح الدلائل الدليل الأول من الآيات والدليل الثانى من حيث اللغة والدليل الثالث من حيث صحة الاستثناء وقد حرر بعضهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>