للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفعل مثل ما فعله على جهة الواجب فنقول أنه لا يجوز أن يعلم ذلك بالعقل لأنه لو علم ذلك بالعقل لكان من أحد الوجهين أما أنه لا يجوز أن يختص بوجوب شىء عليه وما وجب عليه لا بد من كونه واجبا علينا أو لأنا إذا لم نتبعه فى أفعاله أدى ذلك إلى التنفير عنه والأول باطل لأنه عليه السلام إنما تعبد بالفعل لأنه مصلحة له ولسنا نعلم وجه كونه مصلحة حتى نعلم شياعه فى جميع الناس وهذا لأنه ليس يجب اشتراك المكلفين فى المصالح فيجوز أن يكون هذا الفعل مصلحة له ولا يكون مصلحة لنا إلا ترى أنه قد أبيح له ما لم يبح لنا مثل العدد فى الأنكحة والصفى من المغنم وغير ذلك وقد أوجب عليه ما لم يوجب علينا مثل قيام الليل والوتر والتضحية وغير ذلك والثانى باطل لأنه أما أن يقال أن التنفير يحصل إذا فارقناه فى فعل واحد أو يحصل إذا فارقناه فى جميع الأحوال والأول لا يصح لأن المفارقة قد حصلت فى أشياء كثيرة مثل المفارقة فى صلاة الضحى والمناكح فقد حصل التنفير إذا والثانى لا يصلح لأنه إذا كان التنفير يحصل بالمفارقة فى جميع الأفعال لا فى بعض الأفعال فلا بد من دليل غير العقل يميز لنا ما تعبدنا به من أفعاله وبين ما لم نتعبد به ولأنه لو قال اعلموا إنما تفعلوه مصلحة لكم دونى أو ما أفعله مصلحة لى دونكم لم يكن هذا مؤديا إلى التنفير فكذلك ما ذكرناه لا يؤدى إلى التنفير أيضا.

قالوا: وليس الأفعال كالأقوال من الأوامر والنواهى لأن الأقوال موضوعة لمعان معلومة على ما ذكرناه من قبل فإذا لم يقتض ذلك الإيجاب أو التحريم علينا إذا كان أمرا ونهيا يطلب معانيها وهذا لا يوجد فى الأفعال لأن الأفعال مفيدة صحيحة فى حق فاعليها فالقول فى ترك إيجاب أمثالها علينا لا يؤدى إلى إبطالها وإلغائها وإذا ثبت أنه لا يجب التأسى به من حيث العقل وأن عرفنا أنه فعل واجبا فكيف يجب علينا أنه فعل ما فعل على وجه الوجوب وهذا لأنا إذا لم نعلم الجهة التى فعل عليها لم يكن ما يفعله تأسيا لوجه ما إلا ترى أنه لو صار واجبا فتطوعنا لم نكن متأسين به وكذلك إذا فعل تطوعا وفعلنا فرضا لم نكن متأسين به أيضا وحرفهم فى هذا الدليل أنه لا دليل على ما قلتم من وجوب التأسى لا من حيث العقل ولا من حيث السمع فسقط لعدم الدليل واستدلوا أيضا بأنه لو دل فعله على وجوب مثله علينا لدل على وجوب مثله عليه وحين لم يكن دليلا عليه فلا يكون دليلا علينا لدل أنه كان واجبا عليه لأنا إنما نفعله تبعا له فإذا لم يدل على أنه كان واجبا عليه فالأولى أن لا يدل على أنه يجب علينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>