للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثله وإذا ثبت انتفاء الوجوب علينا مجرد فعله فقد قال بعضهم أن فعله١ يدل على الإباحة لأنها أقل الأحوال٢.

وقل بعضهم٣ يدل على الندب٤ لأن الكلام فى القرب وأدنى أحوال القرب الندبية فأخذنا بها أخذ باليقين ومنهم من يوقف ليقوم الدليل على أحد هذه الأمور وأما دليلنا فاعلم أن المعتمد هو الاستدلال بالشرع فى وجوب الاتباع والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨] وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف: ١٥٧] الآية وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] فأمر الله تعالى فى هذه الآيات باتباعه واتباعه قد يكون فى قوله وقد يكون فى فعله فكان بيان الشريعة من جهته واقعا بالأمرين جميعا إلا ترى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا كما رأيتمونى أصلى" ٥ وقال: "خذوا عنى مناسككم" ٦ والصلاة والحج من الأحكام المجملة وقد حصل بيانها بالفعل فثبت أن مجمل الفعل فى البيان محل القول وأن من اتبعه فى فعله كان كمن اتبعه فى قوله وإنما يكون بيان الفعل أوكد من بيان القول.

ألا ترى أنه إذا أمر بشىء فأراد تحقيقه حققه بفعله كحلقه حين أحصر عام الحديبية وقد كان أمر فلم يفعلوا وتربصوا وتوقفوا فلما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم تبادر الناس عند ذلك إلى الحلق فدل أن الفعل من المكانة فى القلوب ما ليس للقول ومما يدل أن محل فعله محل قوله أنه عليه السلام لما سئل عن القبلة للصائم فقال أنا أقبل وأنا صائم فقال السائل إنك لست كأحدنا فغضب وقال: "أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بحدود الله" ٧ ولما قيل لابن عمر أن ناسا يقولون إذا قعدت لحاجتك فلا تستقبل.


١ أي المجرد.
٢ وهذا مذهب مالك وجزم به الإمام الرازي انظر نهاية السول ٣/٢١.
٣ وهو قول الشافعي انظر نهاية السول ٣/١٢.
٤ وقد قال بالوجوب أبو سعيد الإصطخري وابن خيران من الشافعية واختاره الإمام فخر الدين الرازي في معالم السنة انظر نهاية السول ٣/٢١, ٢٢.
٥ أخرجه البخاري الأذان ٢/١٣١ ح ٦٣١ والدارمي الصلاة ١/٣١٧ ح ١٢٥٣ وأحمد المسند ٥/٦٥ ح ٢٠٥٥٥.
٦ تقدم تخريجه.
٧ أخرجه مسلم الصيام ٢/٧٧٩ ح ٧٤/١١٠٨ ومالك في الموطأ الصيام ١/٢٩١ - ٢٩٢ ح ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>