مجرى أقواله ومن الصحابة رضى الله عنهم كانوا يعتقدون ذلك ويرون أن المبادرة إلى أفعاله فى المتابعة مثل المبادرة إلى أقواله وقد دل على هذا الأصل الكبير قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}[النور: ٦٣] وأمره هو شأنه وذلك مشتمل على أفعاله وأقواله ألا ترى إلى قوله تعالى: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا}[يوسف: ١٥] أى شأنهم وإلى قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}[هود: ٩٧] أى شأنه وطريقته ومذهبه وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدخل فى أمرنا ما ليس فيه فهو رد" ١ يريد دينه وشريعته وأقواله وأفعاله وأن ادعوا أن الأمر حقيقة فى القول مجاز فى الفعل نقول فى هذا الموضع لما كان المعنى الثانى كان منتظما بالقول والفعل على وجه واحد ودل أيضا قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١] وهذا على الإلزام والإيجاب بدليل أن أتبعه قوله: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}[الأحزاب: ٢١] وهذا وعند التعقيب بالمواعيد دليل الوجوب ويبين هذا الجواب عن قولهم أنه لو كان المراد بالآية الإيجاب لقال لقد كان عليكم ولم يقل لكم لأن الذى قلناه من ذكر الوجوب واللزوم والشىء الواجب علينا إذا فعلناه كتب لنا أمره فهو لنا من هذا الوجه وقد دل أيضا على ما ذكرناه قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً}[الأحزاب: ٣٧] فجعل فعله صلى الله عليه وسلم علما على القدرة والأسوة وثبت بالآية أن الائتساء به صلى الله عليه وسلم ثابت على العموم حتى ورد دليل الخصوص إلا ترى أنه لما جاء الخصوص قال تعالى: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[الأحزاب: ٥٠] فثبت أن الائتساء وجب شرعا والذى ذكرناه يعرف من الدلائل القطعية التى يحرم خلافها ولا يدخل الاجتهاد فى تجاوزها وعلى هذا الأصل الذى ثبتناه لا يحتاج إلى الجواب عن شىء من كلامهم لأنهم إذا ادعوا انتفاء الوجوب من حيث العقل ونحن ادعينا وجوبه من حيث الشرع ولا ملاقاة بين طرفى الدليلين فوقعت الغنية عن الاشتغال بم ذكروه وأوردوه والله المشكور بالهداية إلى ما يوافق السنة فإن ذكروا شيئا اختص به النبي صلى الله عليه وسلم نقول قام دليل التخصيص مع ذلك فلا يدخل على الأصل الذى أصلناه.
فإن قيل لو كان الفعل منه صلى الله عليه وسلم على الوجوب لكان الترك على الوجوب قلنا نقول.
١ أخرجه البخاري الصلح ٥/٣٥٥ ح ٢٦٩٧ بلفظ "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ومسلم الأقضية ٣/١٣٤٣ ولفظه لفظ البخاري.