للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من الأشياء وجب علينا متابعته فيه إلا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم إليه الضب فأمسك عنه أصحابه وتركوه إلى أن قال لهم إنى أعافه وأذن لهم فى تناوله وهذا وجه الكلام فى هذه المسألة وقد تبين جدا وقد رأيت لبعض المتأخرين فى هذه المسألة كلاما مختلطا ورأيته متردد الرأى فى المسألة وأشار إلى طرف مما ذكرناه من أن الصحابة رضى الله عنهم كانوا يبتدرون إلى أفعاله صلى الله عليه وسلم ابتدارهم إلى أقواله وهو صلى الله عليه وسلم إمام الخليقة فى جميع أموره وذكر أنه يبنى فعله على الإيجاب والإلزام أخذا بالأحوط ثم رأيته يميل إلى القول بالإباحة على معنى أنه إذا ظهر منه صلى الله عليه وسلم فعل لم يكن على الأمة حرج أن يفعلوا مثل فعله قال وأما القول بالإيجاب والندب فلا دليل عليهما ونحن نحمد الله عليهما قد دللنا على ذلك بأبين وجه وأظهر مسلك فليعتقد المرء ذلك يجد نفسه على سواء الصراط والله المغنى بمنه.

وإذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا وعرف أنه فعله على وجه الوجوب أو على وجه الندب كان ذلك شرعا لنا إلا أن يدل الدليل على التخصيص بذلك فقال أبو بكر الدقاق لا يكون ذلك شرعا لنا إلا بدليل يدل عليه هكذا ذكر الأصحاب وعندى أن ما فعل فى القرب سواء عرف أنه فعله على جهته أو لم يعرف فإنه شرع لنا إلا أن يقوم الدليل على تخصيصه والذى ذكرناه فى المسألة الأولى دليل في هذه المسألة ولا معنى للإعادة والمعتمد رجوع الصحابة إلى أقواله وأفعاله جميعا على السواء.

وإذا ثبت هذا فنقول اعلم أنه يحصل بالفعل جميع أنواع البيان من بيانه المجمل وتخصيص العموم وتأويل الظاهر والنسخ فأما بيان المجمل فهو كما روى من فعله صلى الله عليه وسلم الصلاة والحج وتصمن فعله بيان المجمل الذى فى القرآن وأما تخصيص العموم فهو كما روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس١ ثم روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر صلاة لها سبب٢ وكان ذلك تخصيص عموم النهى وأما تأويل الظاهر فهو كما روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن القود فى الطرف قبل الاندمال ثم روى أنه أفاد قبل الاندمال فيعلم أنه صلى الله عليه وسلم أراد بالنهى الكراهة فى وقت دون التحريم وأما النسخ فقد بيناه فى موضعين فلا يفيد

وإن تعارض قوله وفعله فى البيان ففيه أوجه من أصحابنا من قال القول أولى من.


١ أخرجه البخاري المواقيت ٢/٧٣ ح ٥٨٦ ومسلم المسافرين ١/٥٦٧ ح ٢٨٨/٨٢٧.
٢ أخرجه البخاري السهو ٣/١٢٦ ح ١٢٣٣ ومسلم المسافرين ١/٥٧١ ح ٢٩٧/٨٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>