للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقتضى إنما أرسل الحديث إلا وهو على غاية الثقة بعدالة من روى عنه وهذه العلة موجودة قائمة فى الشهادة على ما بيناه.

دليل ثالث وهو أنه لو جاز العمل بالمراسيل وجعلت كالمسانيد لم يكن لذكر أسماء الرواة فى الأخبار وفحص الأئمة عن عدالتهم معنى لأن الإرسال سهل والحوالة فى العدالة على ما ذكروه أمر هين فإذا حصل المراد من هذا الوجه فلأى معنى وجب تحمل المشقة وذكر أسماء الرواة ومعناه الفحص عن عدالتهم وهل هذا إلا تحمل متاعب ومشاق أغنى الله العباد عنها فيكونون قد شددوا على أنفسهم فيما سهله الله عليهم فيعتبرون بمنزلة بنى إسرائيل فى أمر الله تعالى إياهم بذبح البقرة وإلحاحهم فى طلب أوصافها وكان ينبغى أن يقتصروا ويقولوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتورعوا ويترفهوا وقد لقوا المؤنة وطرح عنهم التعب وقد ذم الشرع من دخل فى أمر لا يعنيه فكيف بمن دخل فى أمثال هذا.

فإن قيل لطلب اسم الراوى معنى صحيح من وجهين أحدهما أنه إذا ذكر المحدث اسم من روى عنه أمكن السامع أن يتفحص عن عدالته فيكون ظنه بعدالته فى هذه الصورة أقوى من ظنه بعدالته عند إرسال المراسيل لأن طمأنينة الإنسان إلى فحصه وبحثه أكثر من طمأنينته إلى خبر غيره والثانى هو أن الراوى للحديث قد نسبه عليه حال من أخبره به فلا يقدم على جرحه وتزكيته فيذكره ليزكيه غيره ويجرحه غيره.

الجواب أما الأول قلنا فقد تبين أن إرساله غير مغنى عن طلب العدالة وعلى أنا قد ذكرنا أن الاجتهاد والاجتهاد قد يختلف فلا بد من ذكره لتوهم اختلاف الاجتهاد فى جرحه وتعديله وأما قوله يذكره ليزكيه غيره ويجرحه غيره ويكون قد اشتبه علينا قلنا قد جرت عادتهم بذكر أسماء الرواة على الإطلاق وجرت عادة طلب الحديث بطلب ذكرهم وجرت العادة بالبحث عن عدالة الرواة وإذا عرف هذا من حالهم سقط السؤال الذى قالوه والاعتماد على الدليل الأول من حيث التحقيق وعلى الثانى من حيث التعلق بالحكم والدليل الثالث لإيضاح الكلام والاستبيان به أما الجواب عن كلامهم الأول فقد دخل جوابه فيما ذكرناه.

والحرف الوجيز أن روايته عنه إنما تدل على عدالته إذا لم يتوهم فى السكوت عنه غير هذا فأما إذا توهمنا غيره فلا وأما إذا قال هو عدل فقد قيل هذا الإطلاق لا يقبل وأن قلنا يقبل على ظاهر المذهب فيقول: فلان عدل لا يحتمل غير ما وضع له اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>