للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما السكوت عن اسم الراوى يحتمل ما قالوا: ويحتمل غيره وأما قولهم أنه تقبل الرواية بالعنعنة قلنا نحن لا نقبل إلا أن تعلمه أو يغلب على الظن أنه غير مرسل وهو أن يقول: حدثنا فلان أو سمعت فلانا أو يقول عن فلان ويكون قد أطال صحبته لأن ذلك أمارة تدل على أنه سمعه منه فأما بغير هذا فلا يقبل حديثه وأما مراسيل الصحابة قلنا جميع الصحابة عدول وليس لنا الاجتهاد فى تعديلهم وقد عدلهم الله تعالى بقوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الحديد: ١٩] وقال عليه السلام: "أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" ١ وأما من بعدهم فإن موضع الاجتهاد فى تعديلهم باق فلم يجز العمل إلا بخبر من علمنا عدالته منهم أما تعلقهم بمراسيل ابن المسيب قلنا أما نقل هذا عن الشافعى فى كتبه القديمة ولم يرد بذلك تخصيص ابن المسيب دون غيره ممن مذهبه مذهب ابن المسيب فى ذلك لكن ظهر للشافعى من مذهب ابن المسيب أنه لا يرسل حديثا ليس له أصل فى المتصل ولم يظهر له مثل هذا فى غيره فإن عرف مثل هذا فى مراسيل عطاء والحسن والنخعى ومكحول فتكون مرسلاتهم مثل مرسلات ابن المسيب.

واعلم أن الشافعى إنما رد المرسل من الحديث لدخول التهمة فيه فإن اقترن بالمرسل ما يزيل التهمة فإنه يقبله وذلك أن وافق مرسله مسند غيره من الرواة ومثل أن يتلقى الأئمة المرسل بالقبول ويعملوا به فيكون قبولهم وعملهم مزيلا للتهمة وكذلك أن انتشر فى الناس ولا يظهر له منكر وحكى بعضهم أن من جملة ما يقوى به المرسل فيصير حجة أن يشترك فى إرساله عدلان ثقتان من أهل العلم أو أكثر فيقوى حال المرسل ويكون المرسل موافقا للقياس أو يكون المرسل كثير التحرز شديد التحفظ مشهور الرجال بالرضى كالذى قاله الشافعى فى القديم فى ابن المسيب رحمة الله عليهما فقال مرسل ابن المسيب خمس فى تحريم بيع اللحم بالحيوان وقد قال بعض أصحابنا أن مرسل ابن المسيب لا يكون حجة أيضا مع ما قاله الشافعى رحمة الله عليه كما لا يكون مرسل غيره حجة إنما قول الشافعى فى ابن المسيب يدل على أن إرساله يكون ترجيحا للدليل الموجب للحكم لا أنه يكون موجبا للحكم واعلم أن ما حكيناه أولا من موافقة مرسل المرسل مسند غيره أو تلقى الأئمة إياه بالقبول أو انتشار المرسل فى الأمة من غير منكر أسباب مخيلة فى قبل المرسل إلا أن الحجة تكون فى المسند أو تكون فى.


١ عزاه الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير إلى عبد بن حميد في مسنده والدارقطني في غرائب مالك والبزار والقضاعي في مسند الشهاب وأبو ذر الهروي في كتاب السنة انظر تلخيص الحبير ٤/٢٠٩, ٢١٠ ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>