للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم الموافق والمخالف أنه كان على الغاية القصوى من الفصاحة وحمل كلامه على مثل هذه المحامل يحط كلامه عن رتبة الفصاحة والجزالة ويكون التكلم بمثل هذا الكلام وهو قول أيما امرأة نكحت ثم يريد المكاتبة والصغيرة حظرا وعيا وما هذا إلا كمن يقول: رأيت جمعا من العلماء ثم إذا روجع يفسره بقطيع من الغنم ذهابا منه إلى أنهما على علوم يتعلق بمصالحها ومضارها ومنافعها وكذلك إذا فسره برؤية سفلة من الجهلة ثم زعم أنهم من العلماء فى كثير من الأشياء لم يقبل ذلك منه وعد هازلا لاعبا قال فإن قال قائل أن الصغائر والمكاتبات داخلات تحت قوله أيما امرأة فإذا دخلت تحت ظاهر اللفظ ولم يبعد تنزيل لفظ العموم عليهن تخصيصا يدل عليه أن التخصيص فى اللفظ العام يجرى مجرى الاستثناء ثم يجوز إطلاق لفظ عام يعقبه باستثناء شاذ نادر فليكن الأمر فى التخصيص كذلك والجواب أن التأويل ليس يسوغ بما قلتم وإنما يقبل التأويل إذا سوغه الفصحاء وأهل اللسان وإذا سمعوا أن يستنكروا ذلك والتخصيص فى الجملة للعموم غير مستنكر وإنما المستنكر إرادة الأخص والأخص باللفظ الأعم الأشمل وأما الاستثناء فنقول ليس يساغ التأويل بالقياس حتى يحمل التخصيص على الاستثناء وإنما يساغ التأويل بالوجه الذى قدمنا وهو أن لا يكون اللفظ متباينا له وذكر أبلغ العموم فى سياق الشرعيات وبنائها وتأسيسها متأتى لحمله على أخص الخصوص وقد منع القاضى أبو بكر جواز مثل هذا فى الاستثناء أيضا وإذا صدر من الرسول وغير الرسول صلوات الله عليه إنما يجوز فى صيغة ركيكة والرسول صلى الله عليه وسلم مبرأ من مثل ذلك وذكر بعد هذا تأويلهم فى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" ١ وعلى هذا اللفظ أورد فى أكثر التعاليق والمعروف قوله: "من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له" ٢ وقال قد أولوا هذا على النذر المطلق أو القضاء وقال وهذا تأويل يسبه تأويلهم فى المسألة الأولى فإن هذا الكلام كلام بالغ فى اقتضاء العموم فإذا قال النبى صلى الله عليه وسلم ابتداءا الإنباء على سؤال ولا تنسيقا للكلام على حال فإذا ظن ظان أن الصوم الذى هو ركن للإسلام وهو القاعدة الأصلية لم يعيبه الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرده وإنما أراد ما يقع فرضا للفرائض.


١ تقدم تخريجه.
٢ أخرجه أبو داود الصوم ٢/٣٤١ ح ٢٤٥٤ والترمذي الصوم ٣/٩٩ ح ٧٣٠ والنسائي الصيام ٤/١٦٦ باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك ومالك الصيام ١/٢٨٨ ح ٥ وأحمد المسند ٦/٣١٩ ح ٢٦٥١٣ انظر نصب الراية ٢/٤٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>