أجمعوا أنه لا يجوز المخالفة فقد أجمعوا أنه يكون حجة.
ببينة: إذا تعرفنا حال الأمة وجدناهم متفقين على تضليل من يخالف الإجماع وتخطئته ولم تزل الأمة ينسبون المخالفين للإجماع إلى المروق وشق العصا ومحادة المسلمين ومشاقتهم ولا يعدون ذلك من الأمور الهينة بل يعدون ذلك من عظام الأمور وقبيح الارتكابات فدل أنهم عدوا إجماع المسلمين حجة يحرم مخالفتها وفي المسألة دلائل كثيرة ذكرها الأصحاب وأوردها المتكلمون والقدر الذي قلناه كاف وهو المعتمد.
وأما الجواب عن الذي قالوه أما الأول قوله أنه يستحيل وجود الإجماع قلنا لا يستحيل على ما سبق بيانه أما قولهم أنه مع كثرتهم وتباعد ديارهم يمتنع ويتعذر الوقوف على إجماعهم قلنا نقول: أولا كيف يدعى استحالة هذا ونحن نرى خيلا من الكفار يرمى عددهم على عدد المسلمين وهم متفقون على ضلالة يدرك بطلانها بأدنى ذكر فإذا لم يمتنع ذلك إجماع أهل الدين على حكم من أحكام الدين وأيضا فإنا نعلم إجماع العلماء من أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة رحمهم الله على مذهب كل واحد منهما في مسائل الفروع مع تباعد الديار وانقطاع المزاد فدل أن الذي ادعوه من الاستحالة باطل هذا جواب القاضي أبي بكر ثم نقول أن الوقوف على الإجماع غير ممتنع بسماع أقاويل الحاضرين والنقل من الجانبين كما يمكن معرفة اتفاق المسلمين على الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان واعتقاد أداء الزكاة والحج وغير ذلك مع كثرة المسلمين وتباعد الذكر بهم لأن الاعتبار بعلماء العصر وأهل الاجتهاد وهم كالأعلام في كل عصر لا تجلى مواضعهم ولا وأقوالهم.
ببينة: أن من عاصر الصحابة يمكنه أن يكتفي بكل واحد من المجتهدين أو ببعضهم فيعرف قوله ويتعرف قول الناس لأن أهل الاجتهاد من ذلك الوقت كانوا محصورين وكذلك التابعون فأمكن التوصل إلى معرفة قولهم بالطريق الذي قدمنا وأيضا فإن القول المنتشر في أهل العصر من غير مخالف دليل على الإجماع وهذا يمكن معرفته وهذا لأن الدليل الذي دل على أن الإجماع حجة يوجب أن يكون سبيل من الوصول إليه ولا وصول إلا بالقول المنتشر في الأمة وعدم المخالف لذلك لأن معرفة قول كل واحد من علماء العصر لا سبيل إليه في العالم ولا يجوز أن يوجب علينا ما لا سبيل إلى الوصول إليه فإذا لم يمكن إلا هذا القدر علمنا أن ذلك حجة وأنه المعنى بالإجماع الذي أوجب علينا اتباعه وأما قولهم أنه يستحيل أن يجوز الخطأ على كل واحد منهم.