حتتى يقوم دليل يدل على كونه شاهدا للحال. كالرجل المجهول الحال إذا شهد قبلت شهادته وإذا طعن الخصم في حريته لم يصر حجة عليه لكونه حرا في الأصل إلا بدليل يوجب حريته في الحال لأن حرية الأصل تحتمل التغيير بعارض فلم يكن حجة على غيره بحال.
فإن قيل: أليس النبى صلى الله عليه وسلم قدوة أمته فما كان له وعليه وقد احتمل أن يكون مخصوصا ومع ذلك صار فعله حجة عل غيره أجاب وقال: إن الحجة في الابتداء فيه كونه نبيا وما اختلف الحال في كونه مقتدى به على كل حال والخصوص ثبت بدليله في بعض أحواله وأفعاله فبقى الباقى على عمومه كالنص إذا خص منه شئ فإن الباقى يبقى على عمومه وأما هاهنا فإن النص المعلول هو الشاهد بعلته وقد احتمل في نفسه أن لا يكون معلولا بعارض كالشاهد هو حجة بشهادته واحتمل أن لا يكون حجة بعارض رق أو غيره وإذا احتمل على هذا الوجه فلابد من دليل.
قال: ومثال هذا أنا متى عللنا حرمة الفضل في الذهب بالذهب بكونه موزونا احتجنا إلى بيان أنه معلول بهذا الوصف بدليل يوجب له غير الدلائل المصححة للقياس وذكر في هذا فصلا طويلا اقتصرنا على هذا القدر.
واعلم: أن هذا الذى ذكره ليس بشرط بعد أن يظهر تأثير الوصف فمتى ظهر التأثير للوصف الذى جعل علة وامتاز بالتأثير عن غيره من الأوصاف وقع الاكتفاء بذلك وأما قولهم إنه يحتمل ألا يكون هذا الأصل معللا ويحتمل أن يكون معللا قلنا ما استوى الاحتمالان لأن الأصل الذى نعرفه في الشرع أن كل أصل أمكن تعليله جاز ألا يمنع مانع من تعطيله يدل عليه أن الدلائل التي دلت على صحة التعليل دلت على تعليل كل أصل لأن الدلائل لا تخصيص فيها فإن عرض عارض دليل أنه لا يعلل أصل من الأصول لا يجب التوقف في سائر الأصول ألا ترى أن العموم حجة وقد خص بعض العمومات ثم بأن خص بعض العمومات لا يدل على أنه يجب التوقف في كل عموم حتى يدل الدليل أنه غير مخصوص وأظهر من هذا أمر النبى صلى الله عليه وسلم فإن الخصوصية في حقه محتملة ومع ذلك لا يعتبر هذا الاحتمال بل اعتبر الأصل المعهود وهو أنه قدوة إلا أن يقوم الدليل على خلافه في موضع وقولهم إنه لا خلاف في كونه مقتدى به وهذا الوصف منه لا يحتمل غيره وفى مسألتنا وجد الاحتمال في هذا الأصل أنه غير معلول قلنا نعم لا اختلاف أنه مقتدى به في الجملة وكذلك الاحتمال عن إطلاق كونه قدوة