والقلب الآخر: أن يجعل باطنه ظاهره وظاهره باطنه مثل قلب الجراب.
فمثل الأول أن يجعل المعلول علة والعلة معلولا وهو مبطل للتعليل لأن العلة واجبة والمعلول هو حكم الواجب به كالفرع من الأصل فلم يجز أن يكون الحكم علة والعلة حكما فلما احتمل الانقلاب دل على بطلان التعليل ومثاله كثير من ذلك أن يقول القائل في مسألة إيجاب الرجم إن الكفار جنس يجلد أبكارهم مائة فيرجمهم قياسا على المسلمين فيقال في الأصل جنس رجم ثيبهم فجلد أبكارهم وكذلك في قول القائل: إن القراءة تكررت فرضا في الأوليين فتكررت في الأخرتين كالركوع والسجود فيستعمل في الأصل على الوجه الذ بينا وقد أجابوا عن هذا وقالوا: هذا القلب لا يضر لأن الشئ يصح أن يكون دليلا على الشئ وذلك الشئ يكون دليلا عليه كما في العقليات فإن يجوز أن يقال: بوجوده فيجوز رؤيته ويقال يجوز رؤيته فيكون موجودا وكذلك تكون النار دليلا على الدخان والدخان دليلا على النار.
ويتأيد هذا الجواب بقول من قال: أنا أجعل أحد الحكمين دليلا على الآخر ولا أخرج الكلام مخرج التعليل وهذا كلام صحيح إذا ثبت أن الشيئين نظيران شرعا فيدل ثبوت أحدهما على ثبوت الآخر أنهما كانا كالتوأمين فإن عتاق أحدهما إنما كان يدل على عتاق الآخر وأما القلب الآخر فهو أن نجعل العلة شاهدا لك على خصمك وهو من قلب الجراب فإنها كانت لخصمك عليك ظاهرا فانقلبت وصارت لك على خصمك وقد كان ظهرها أليك فصار وجهها أليك وإنما توجه هذا السؤال لأن العلة لما شهدت لك وعليك في حكم واحد فصار أحدهما يعارض الآخر ويفضى كل واحد منهما [إلى] صاحبه فبطلا جميعا وذكروا لهذا نظيرا وقالوا في قول من قال من أصحابنا إنه صوم فرض فيشترط لصحته نية العين قياسا على صوم القضاء. فيقال في قلبه: صوم فرض فلا يشترط له نيه التعيين بعد التعيين قياسا على قضاء رمضان فإن صوم رمضان متى تعين لم يشترط بعده نية التعيين إلا أنه يتعين بعد الشروع وهذا يتعين قبل الشروع والملخص من القلب بذكر ما هو الوصف في الحكم الذى علل له دون الحكم الذى قاله خصمه وقد ذكر والعكس عند ذكر القلب وجود عكس حكم العلة بقلبها وهو ضد الطرد ونظيره. قول القائل: جنس يجلد أبكارهم مائة فيرجم بينهم وعكسه العبيد كما قال المخالف في الصوم: إنه عبادة يلتزم بالنذر فتلتزم بالشروع