للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منسوب إلى جميع نكتتى المذهبين مع امتناع إسقاط القصاص عنهما جميعا. قال: وإيجاب القصاص على شهود الزنا إذا رجعوا بعيد فإن فرض رجوع المدعى واعترافه فلا وجه لوجوب القصاص على الشهود والطريق القطع بتغليب المباشرة وإن فرض الكلام في استمراره على دعوى الاستحقاق فهذا ينحط في مرتبة الاجتهاد عن شهود الزنا فإن المدعي على خيرته قال: ولو ذهبنا نستقصي هذه المسائل لطال الكلام وإنما غرضنا التنبيه ولم يوجب الشافعى عقوبة في هذا المساق أبعد من إيجابه حد الزنا على المرأة إذا نكلت عن اللعان١ بعد لعان الرجل فإن هذا سفك دم بقول المدعى وهو في مسلك القياس يدانى إيجاب القصاص بقول المدعي في لوث القسامة ولولا الخبر لما اقتضى قياس ذلك قال: واللعان أبعد من القسامة من جهة أن الشرط في القسامة ظهور اللوث عند الحاكم وهذ غير مشروط في اللعان غير أن المعتمد في القسامة الخبر الصحيح والمعتمد في اللعان نسبته إلى شيئين. أحدهما: أنه لا يجد بد من الخروج عن قانون الحجج فالإستمساك بظاهر القرآن اقترب وهو قوله تعالى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: ٨] وحمل العذاب على الجنس بعيد وبالجملة نفى إيجاب الحد وتغليب حقوقها اقترب إلى مأخذ الشريعة عندي قال: ومن عجيب الأمر أن قول الشافعى اختلف في أن القصاص هل يجب بأيمان القسامة ولم يختلف قوله في وجوب الحد على المرأة مع تعرض الحد الواجب لله للسقوط بما لا يسقط به القصاص وسبب هذا أن خبر القسامة ورد في الغرم وآية اللعان اشتملت على ذكر العذاب وهو الحد فهذا عبرة في أمثال ما ذكرنا من قواعد الشرع ونحن نختم بأمر بدع يقضى الفطن العجب منه فالمرتبة الأولى تكاد تقضى بالقطع والمرتبة الثانية أعنى اللعان والقسامة لا يستقل المعنى فيها ولم نر شبهها مرتبة في القياس من حيث لم نرها مستقلة فهذه جملة كافية في التنبيه على المراتب وضابطها القرب من القاعدة والبعد منها هذا سرد كلامه في هذا الفصل ونحن قد تكلمنا على ما جعله في المرتبة الأولى والثانية.

وأما هذه التي سماها المرتبة الثالثة فاعلم أن ما صار إليه في مسألة المركه على القتل من الكره والمكره بمنزلة الشريكين في القتل فليس بشئ لأن مباشرة جملة الفعل محسوسا وجد من المكره فإذا جعلنا المكره شريكا له في المباشرة فأما أن نجعل ذلك لأنا نجعل المكره آلة له أو لأنه سبب سببا يفضى إلى القتل غالبا فإن جعلنا شريكا له فإذا


١ انظر روضة الطالبين "٨/٣٤٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>