وأما قولهم: لو كان على الصواب من الحق دليل من قبل الله تعالى لنقض الحكم ما عداه ولم يسع الفتوى.
قلنا: ليس يجب هذا وليس مع الخصم إلا مجرد الدعوى.
ببينة: أن كثيرا من المجتهدين يستدل بالقرآن في مواضع وبالنصوص في مواضع ولا شك أنه الدليل ما عداه ومع ذلك لا يفسق تارك ذلك لأن كل واحد من المجتهدين يرجع إلى دليل عنده ويصير إلى تأويل لما يتعلق به من مخالفة لذلك في الأقيسة لما كان كل واحد من القائسين يصير إلى تأثير عند نفسه وهو في الأصل الذى يسنبط منه ظنى لم يفسق من يخالف ولم ينقض الحكم الصادر مما يخالفه وساغ الفتوى والحكم به لمن يظن أنه الحق.
وأما قولهم: إن القول بتخطئة بعض المجتهدين وتصويب البعض يؤدى إلى اقسام كلها فاسدة.
قلنا: لا يؤدى لأنا بينا أن على الحق دليلا منصوبا من قبل الله تعالى لكن إنما يوصل إليه بطريق ظنى فما يعود إلى معرفة علة الأصل في الظنيات ميل عظيم وكل واحد يظن غير ما يظن صاحبه وليس يستقر على شئ واحد فالشرع سامح في ذلك ولم يؤاخذنا بخطأ. بل أصاب بقصد طلب الحق وبذل الجهد منه عند نفسه وغفر له ماأخطأه وجعله من المعفو عنهم وأما في الأصول الدينية فلما كان الوصول إليها بالدلائل القطعية من كل وجه شدد الله تعالى في ذلك ولم يعذر بالخطأ وفسق بالخلاف تارة وكفر أخرى وعفى مرة ولم يعف أخرى فهذا هو الفرق بين مسائل الأصول بين مسائل الفروع وهو أيضا يبين وجه قولنا: إنه مع خطأه الصواب عند الله عز وجل مغفور له.
وأما قولهم: إنما قلتم يؤدى إلى تكليفه ما ليس في الوسع.
قلنا: ليس كذلك لأنا أمرناه بطلب الحق وقد يجوز أن يصيبه في الجملة وإذا لم يصب لا يكون عليه مؤاخذة ولا تبعة فأين قولهم: إنه تكليف لما لا يكون في وسعه.
وأما تعلقهم بفصل القبلة.
قلنا: نحن نقول: إنما يكون مصيبا إذا أصاب القبلة فأما إذا لم يصيب القبلة يكون مخطئا حقيقة ويلزمه إعادة الصلاة فإن قيل: إذا اجتهد أربعة أنفس في القبلة فأدى