العاقل في وجوب أداء ما لزم ذمته بأن تعلق من صاحب الحق بالأمر والخطاب وغير العاقل ليس من أهله فلا يلزمه الأداء إلا على ما نذكر بعد هذا وهذا كما قيل إن النائم يلزمه حقوق الله تعالى ولا يلزمه أداؤها حتى يستيقظ لأنه لا يقدر عليه ولا يعلم به وهذا لأن الأداء إنما يكون بفعل منا على سبيل الاختيار فلا بد من العلم به ثم القدرة عليه.
فأما الوجوب في الذمة فصحيح بدون اختيارنا فلم يكن من شرط صحته إلا قدرتنا ولا علمنا به.
قالوا: ولا يجوز أن يقال: إن الوجوب للأداء لا لنفسه فلا يجوز الإيجاب على من لا يقدر على الأداء فإن الوجوب بالأداء لا يتعين حال الوجوب بل يجوز بعده بزمان إما أداء وإما قضاء فصح الإيجاب على ما من حالة قدرة الأداء والقضاء في الجملة والصبى من تلك الجملة كالنائم والمغمى عليه. فإن قيل: وأى واجب علينا في باب العبادات البدنية سوى الأداء قلنا: قال: الوجوب حكم إيجاب الله تعالى بسببه والواجب اسم ما لزمه في ذمته بالإيجاب والأداء فعل العبد الذى يسقط الواجب عنه وإنما هذا بمنزلة رجل استأجر خياطا ليخيط له ثوبا بدرهم فليلزم الخياط فعل الخياطة نفسها وبها يقع تسليم ما لزمه بالعقد والأداء بالخياطة وكان الفعل المسمى واجبا في الذمة غير المؤدى حالا بالقميص وكذلك دراهم مؤداة عينا بدراهم في الذمة فيكونان غيرين لا محالة فإن قيل: أرأيت لو مات الولد قبل أن يعقل حتى لم يقدر على الأداء لم نجعله أنه أمانة الله سبحانه وتعالى واستحقاق الجزاء في الآخرة.
قلنا: اختلفوا في هذه المسألة روى عن أبى حنيفة أنه توقف في جواب هذه المسألة.
وحكى عن محمد أنه قال: إنما أنا أعلم أن الله تعالى لا يعذب أحدا بغير ذنب وقد جاءت الأخبار بأن الأطفال يكونون شفعاء لآبائهم يوم القيامة فأما الخلاف بينهم في وقوع الحمل عليهم على ما مر اختلافهم في الجزاء لا يدل على خلافهم في الحمل فالجزاء يقابل الأداء لحمل الأمانة فإنها تقع عليها بإيجاب الله تعالى شئنا أو أبينا كما بعد البلوغ لا يجب الجزاء لوجوب الصلاة علينا بل الأداء.
ويحتمل أن يقال: بأن الله تعالى لما حمل الأطفال أمانته بالإيجاب عليهم أهلهم لذلك باستحقاق الجزاء ولم يؤاخذهم بتركهم الأداء وأنابهم كرما وألحق غير المؤدى بالمؤدى بعذر العجز بمنزلة البالغ يدركه وقت الصلاة وهو لا يجد ما يتطهر به فإنه يلزمه