وحري بنا قبل أن نتكلم عن خصائص أسلوبه أن نتقدم بالحديث عن موضوعات مقالاته كما سجلها كتابه النظرات، معظم هذه الموضوعات اجتماعية ومنها في الدين والرثاء أو الأدب، ولا شك أن النشأة الدينية التي نشئها المنفلوطي في بيت شرف ونسب، ثم دراسته بالأزهر، وصحبته للأستاذ الإمام محمد عبده وتشربه مبادئه، وإعجابه به هي التي وجهته تلك الوجهة وأملت عليه الكتابة في تلك الموضوعات.
وأهم ما يلفت النظر في موضوعاته الاجتماعية شدة سخطه وحتفه على الحضارة الغربية، حضارة المستعمر، إذ كان يرى أنها هي التي جرت الموبقات والمفاسد إلى الأمة، وباعدت بين جمهرة الناس والسلوك الديني الطيب، وأنها خدعة من خدع الاستعمار يفتن بها الشعوب المغلوبة على أمرها، ولا يلبث أن يجذبها لألاؤها فتنحل أخلاقها، وتشيع بينها الفحشاء، والاتجار بالأعراض وانتهاك الحرمات، وشتى ألوان الشرور والآفات الاجتماعية، فقام المنفلوطي يحارب هذه المندينة غير ناظر إلا لمساوئها، بل كان يرى أنه من الخير للشرق أن يتجبنها ما استطاع إلى ذلك سبيلًا ولو ظل على جهالته، فيقول في ذلك.
"فكان من همي أن أدل على شرور الأشرار الكامنة في نفسوهم، وأن أكشف الستر عن دخائل قلوبهم حتى يتراءوا ويتكاشفوا، فيتواقفوا ويتحاجزوا، فلا يهنأ خادع، ولا يبكي مخدوع على نكبته، ولا يتخذ بعضهم بعضًا حمرًا يركبونها إلى أغراضهم ومطامعهم، وكان منشئي في قوم بداة سذج، لا يبتغون بدينهم دينًا، ولا بوطنهم وطنًا، ثم ترامى بي الأمر بعد ذلك، وتصرفت بي الحياة في شئون جمة، فخضعت لكثير من أحكام الدهر وأقضيته إلا أن أكون ملحدًا في ديني أو زاريا على وطني، فاستطعت وقد غمر الناس ما غمرهم من هذه المدينة الغربية أن أجلس ناحية، وأن أنظر إليها من مرتب عال، وكنت أعلم أن من أعجز العجز أن ينظر الرجل إلى الأمر نظرة حمقاء، فإما أخذه كله أو تركه كله، فرأيت حسناتها وسيئاتها وفضائلها ورذائلها، وعرفت ما يجب أن يأخذ