- حسبك أن ترى تقدم الأمة المصرية في ثروتها وعمرانها، وبذخها وترفها، وكثرة ناطقها وصامتها فتسعد بسعادتها وتهنأ بهنائها.
- إن لم تبين لي سهمي من هذه السعادة، ونصبي من ذلك الارتقاء، فلا أصدق سعادة، ولا أتصور ارتقاء، وما دمت أرى أن لي هوية مستقلة عن هوية سواي من السعداء، ويدا تقصر عما تتناوله أيديهم، وبطنًا لا يمتلئ بما تمتلئ به بطونهم، وما دمت لا أدري واحدًا بينهم يلبس معي ردائي الممزق، وقميصي الممزق، ويقاسمني همي، ويشاطرني فقري، فهيهات أن أسعد بسعادتهم وأسر بسرورهم، وهيهات أن أفهم معنى قولك: أنت الأمة والمة أنت.
- إن الغيث إذا نزل يسقى الخصيب والجديب، والنجد والوهد، وينتظم من الأرض الميت والحي.
- كل سماء فيها الغيث إلاس ماء مصر فإني أراه:
كبدر أضاء الأرض شرقًا ومغربًا ... وموضع رحل منه أسود مظلم
مالي وللروض الذي لا أستنشق ريحه وريحانه، والقصر الذي لا أدخله مالكًا ولا زائرًا ... ، وبعد فما هو الارتقاء الذي تزعمه، وتزعم أنه يعنيني ويشملني؟ هل ترقت غرائز الإحسان في نفوس المحسنين؟ وهل خفقت قلوب الأغنياء رحمة بالفقراء؟
- نعم: أما ترى الأموال التي يتبرع بها الأغنياء للجمعيات الخيرية، والتي ينفقها المحسنون على بناء المدارس والمكاتب والمستشفيات؟
- إن هذه التي تسميها مكارم، ولا يسميها أصحابها إلا مغارم، ألجأهم إليها التملق للكبراء، وحب التقرب من الرؤساء، والطمع في الزخرف الباطل والجاه الكاذب.
مالي وللمدارس والمستشفيات، وأنا جوعان خبز لا جوعان علم، ولا مرض عندي إلا مرض الفاقة ... إلخ.