للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لولا مجيئكم ما أسفت خلو يدي منكم؛ لأنني ما تعودت أن تمتد عيني إلى ما ليس في يدي، ولو أنكم بقيتم بعدم ما جئتم ما تجرعت هذه الكأس المريرة في سبيلكم".

ولكن يلوذ بإيمانه ثانية، ويسألهم أن يتوسلوا إلى الله الذي ينعمون بجواره أن يلهم أباهم الصبر، وأن يأتي به إليهم فهو يتمنى الموت حتى يسعد بلقاء أحبائه في دار النعيم.

وأما رثاؤه للعلماء فيتمثل في رثائه لجورجي زيدان صاحب الهلال، يرثه رثاء العارف بفضله، المقدر لمواهبه وخدماته في سبيل العلم والأدب، رثاء الأديب للعالم الذي أبلى في ميدان الجهاد العلمي خير بلاء.

ورثاؤه لجرجي زيدان ليست فيه تلك العاطفة الحادة التي لاحظناها في رثاء علي يوسف، ولا تلك اللوعة والحرقة التي شاهدناها في رثاء ولده، وإنما تعداد لمناقب الرجل وإشادة بآثاره ومنزلته بين مواطنيه، وعميم فضله على العلم والأدب: "مات جورجي زيدان، فنحن نبكيه جميعًا، أما هو فيبتسم لبكائنا، ويرى في تفجعنا عليه، والتياعنا لفراقه منظرًا من أجمل المناظر وأبهاها؛ لأنه يعلم أن هذه الدموع التي نرسلها وراء نعشه، أو نمطرها فوق ضريحه إنما هي ألسنة ناطقة بحبه وإعظامه، والاعتراف بفضله والثناء على عمله".

كان بطلًا من أبطال الجد والعمل، والهمة والنشاط، يكتب أحسن المجالات، ويؤلف أفضل الكتب، وينشء أجمل الروايات ويناقش ويناضل، ويبحث وينقب ... إلخ.

وراح المنفلوطي في رثائه هذا يرد على هؤلاء الذين ناصبوا جورجي زيدان العداء في حياته، فبعضهم رماه بالتطفل على المباحث الإسلامية، وأنه مسيحي لا يؤتمن على الإسلام، ولا أحسب أن أحدًا منهم كان يعتقد شيئًا مما يقول، ولكنهم كانوا يرون أن الدين سلعة تباع وتشترى، وأن سلعته ملك لهم، ووقف عليهم، ولا يجب أن تعرض في حانوت غير حانوتهم.

ورماه بعضهم بأنه سوري دخيل جاء يتجر بعلمه وأدبه في مصر "ووالله ما أدري كيف تتسع صدورهم للخمار الرومي، واللص الإيطالي، والفاجر الأرمني

<<  <   >  >>