للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذين كان لهم شأن في نهضة النثر أحمد فارس الشدياق الذي أسس الجوائب بالآستانة سنة ١٨٦٠، وقد طلعت على الناس بأسلوب جديد في الكتابة العربية كما سنرى فيما بعد، ومنهم أديب إسحاق الذي نشأ في دمشق، ثم تحول إلى بيروت وحرر جريدة التقدم، ثم هاجر إلى مصر في عهد إسماعيل، وسنخصه بالذكر فيما بعد إن شاء الله.

كان حكم الأتراك في بلاد الشام جائرًا في عمومه، وقد بلغ هذا الظلم غايته في عهد السلطان عبد الحميد الذي حكم من ١٨٧٦-١٩٠٩، جاء عبد الحميد عقب خلع مراد الذي مات منتحرًا بعد خلعه ببضعة أيام، فتجسمت المخاوف في نفس عبد الحميد، وانتصبت أمام ناظريه عملاقًا بشعًا مشرع البرائن يهدد حياته وسلطانه، وكان من الأسباب التي طوحت بمراد وعرشه معارضته في إنقاذ الدستور، أو القانون الأساسي كما كانوا يسمونه حينذاك، واشترطوا على خلفه عبد الحميد أن يخرج الدستور إلى نور الحياة، فجرت الانتخابات حتى في الولايات العربية التي كانت تحكم حكمًا مباشرًا، وأرسل كل منها مبعوثًا إلى مجلس المبعوثين، أو كما كان يسميه الأتراك "المبعوثان"، ولكنه اجتمع دوره واحدة، وعطل عبد الحميد الدستور ثلاثين عامًا، لم يفكر خلالها في إعادة الحياة إليه، بل حكم البلاد حكمًا مطلقًا رهيبًا، وعد كل من يطالب بالدستور، أو يشير إليه ولو تلميحًا خارجًا على القانون خائنًا للدولة متآمرًا على السلطان خليفة المسلمين، وأمير المؤمنين وظل الله في أرضه، وكان جزاؤه الاعتقال والتعذيب، والنفي والتشريد، ومصادرة أمواله، وتشتيت أسرته وإهدار حقوقه.

ومن الوسائل التي اتخذها حفاظًا على حياته -كما يزعم- فرضه رقابة صارمة على الصحافة والطباعة، حتى الإعلانات كانت تراقب، ولا بد لنشرها من موافقة الرقيب، أما الكتاب الذي سيطبع فكان يسير في إجراءات معقدة، ويتعرض للفحص عنه عدة مرات، ومرات تستغرق شهورًا وسنوات، والفاحسون يخافون الزلل ومختلف التأويلات، ويعيد الاحتمالات خوفًا على حياتهم من حاكم لا

<<  <   >  >>