وكان كاتبًا ملتزمًا "أكتب للناس لا لأعجبهم، بل لأنفعهم، ولا لأسمع منهم: أنت أحسنت، بل لأجد في نفوسهم أثرًا مما كتبت".
وقد بين أنه لا يكتب للخاصة فلا أفرح برضاهم، ولا أجزع لسخطهم"، وإنما يكتب للعامة ولا سيما الذكي منهم الذي قد وهبه الله الفطرة السليمة وصفاء القلب وسلامة الوجدان، ما يعده لاستماع القول واتباع أحسنه".
ولم يكن المنفلوطي يفرق في الأهمية بين اللفظ والمعنى فهما ممتزجان في رأيه امتزاج الشمس بشعاعها، وليس للفظ كيان مستقل، فجماله من جمال معناه، بل يميل أحيانًا إلى تفصيل المعنى على اللفظ، ويرى أن اللفظ خادم المعنى، وأن المعاني هي جوهر الكلام ولبه، ومزاجه وقوامه "فما شغل الكاتب من همته بغيرها أزرى بها حتى تفلت من يده، فيفلت من يده كل شيء، ولا يضطرب اللفظ إلا؛ لأن معناه مضطرب في نفس صاحبه، ومحال أن يعجز الفاهم عن الأفهام، ولا المتأثر عن التأثير، والتعبير صدى لنفس الأديب، فإذا كانت مظلمة أو قبيحة انعكس ذلك في عمله؛ لأن النص لديه كالمرآة لا تكذب في نقل مرئياتها!
وهذا كلام غريب من أديب كانت شهرته معتمدة على براعة في أسلوبه وانتقاء ألفاظه وجودة صياغتها، ومعانيه ليست عميقة الغور نتيجة لدراسة واعية مستفيضة، وإنما مقالاتها في معظمها سطيحة المعاني، تأتي استجابة لوحي عاطفيته، أو قراءته في الصحف والمجلات.
وما الفرق إذا بين الحديث العادي والمقال الأدبي، أو الاجتماعي الذي يرمي صاحبه به إلى التأثير في النفوس، وليس بصحيح أنه يخاطب العامة بمقالاته، وإلا لاصطنع اللغة العامية التي يفهمونها.
أو ليس مما يؤثر في نفس السامع ذلك الأسلوب الطلي، والصياغة الجيدة، والسلاسة العذبة حتى تهتز نفسه، وتتأثر بما يقرأ أو تسمع، ألم يجعل المفلوطي المقياس الذي يقاس به العمل الأدبي هو مدى تأثيره في قارئه أو سماعه، ويقول: "إذا سمعت بيتًا من الشعر فأطربك أو أحزنك، أو أقنعك أو أرضاك أو هاجك ... فاعلم أنه من بيوت المعاني، وإن مررت من بيت آخر فاستغلق عليك فهمه وثقل