للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليك ظله فاعلم أنه لا معنى له، ولا حياة فيه، فإن وجدت صاحبه واقفًا بجانبه يحاول أن يوسوس لك أن وراء هذه الظلمة الحالكة المتكاثفة نورًا متوهجًا يكمن في طياتها، فكذبه، وفر بنفسك وأدبك وذوقك منه فرارًا لا عودة لك من بعده.

وهذا النص يؤكد أن المنفلوطي لم يفهم قضية اللفظ والمعنى على حقيقتها، فلو

كان المهم هو المعنى يؤدي بأي لفظ كان لراقه ذلك البيت المستغلق؛ لأن الاستغلاق جاءه من ناحية اللفظ لا من ناحية المعنى الذي هو نور متوهج يكمن في طيات تلك الظلمة الحالكة.

إنها كما قال توأمان، متناظرات، متساويان في الأهمية، ومع هذا نرى المنفلوطي يناقض نفسه في هذه القضية فيقول: يقول القائلون بمذهب التفريق بين اللفظ والمعنى عن مثل هذه القطعة:

ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح

وشدت على حدب المهارى رحالنا ... ولم يعلم الغادي الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطي الأباطح

إنها جميلة الأسلوب، ولكنها تافهة المعنى، لا تشتمل على أكثر من الوصف والتصوير، كأنهم لا يعملون أن التصوير نفسه أجمل المعاني وأبدعها، بل هو رأس المعاني وسيدها، والغاية الأخيرة منها".

وفاته أن التصوير ليس هو المعنى، وإنما هو محاولة لتوضيح المعنى، ولا يمنع هنا أن يكون المعنى تافها، وإن صوره صورة جميلة بأسلوب عذب، ومن ثم راقت الأبيات، واستعذبتها الآذان على الرغم من تفاهة معناها.

وما بال المنفلوطي يحاول بنثره هذا أن يحشر نفسه في زمرة الشعراء، ويعد نثره هذا شعرًا بلا وزن ولا قافية، أليس ذلك فرض تقدير منه لأسلوبه وطلاوته وعذوبته، وما فيه من رنات موسيقية.

لقد ابتدأ المنفلوطي حياته الأدبية شاعرًا، ثم انصرف عنه إلى النثر حين وجد المزاحمة القوية من شعراء فحول، فاتخذ الكتابة قالبًا لصب أفكاره، موشاة بالخيال

<<  <   >  >>