العميقة التي أفادها من قراءاته الكثيرة بلغات مختلفة، ولتمكنه من اللغة العربية وحذفه لأصولها، ونظرًا لكثرة تجاربه ولكثرة أسفاره، واختلاطه بمجتمعات متباينة من شرقية وغربية، وكان يغشى هذه المجتمعات، ويدرسها دراسة واعية، ناقدًا مساوئها مشيدًا بمحاسنها، وقد كتب كذلك عن هذه الأسفار عدة كتب منها:"الساق على الساق فيما هو الفارياق"، الذي قص فيه تاريخ حياته من مشاهداته، وكانت تحلو له الموازنة بين خصائص الشعوب، ومنها "كشف المخبا عن أحوال أوروبا"، "والواسطة في أخبار مالطة"، وكان الشدياق شغوفًا بتدوين هذه المشاهدات، وقد أورثته ثقافته وتجاربه تحررًا في الفكر، وسعة في الأفق، فدرجت "الجوائب" على كتابة الأخبار بالأسلوب الخالي من السجع، مع عناية باللغة، واجتهاد في وضع الكلمات العربية المقابلة للكلمات الأجنبية، ومن تلك الكلمات التي وضعتها الجوائب، ولا زلنا نستخدمها حتى اليوم المؤتمر والبريد، والباخرة، والحافلة، والأزمة المالية، والمنطاد، والسلك البرقي "تلجراف"، وعشرات غيرها.
ولنضرب مثلًا على ذلك الأسلوب الصحفي الذي سارت عليه الصحافة منذ ذلك الحين وصار لها قدرة:"إن رفض الباب العالى لإرادة أوروبا قد جعل المسألة الشرقية في صورة جديدة، وإن الديوان الإمبراطوري قد اتخذ من هذه المسألة من أول الأمر مسألة أوربية لا يمكن حلها إلا باتفاق عام مع الدول الكبار، فكل اعتبار شخصي أو منفرد وقع لدى الدول موقع الإنكار، فآلت الصعوبة إلى الدولة التركية بأن تحكم على رعية السلطان بالعدل، والإنسانية كيلًا تعرض أوروبا لمشاكل دائمة ... إلخ".
وقد اهتم الشدياق بالمقال الذي كان يكتبه في صدر الجوائب منذ السنة التاسعة من حياتها، وكان هذا المقال كذلك متحررا من السجع، والزخارف والخيالات إذا تعرض لأمور سياسية أو اجتماعية، أما إذا تعرض لأمور أدبية أو عاطفية، فإن الشدياق كان ينهج نهجًا آخر، فيحتفى بأسلوبه احتفاء بالغًا، ويأتي أحيانًا مسجوعًا، مثال ذلك قوله من مقال بعنوان الوطني المزيف: "من الناس من يبالغ في مدح وطنه، ويحن إليه حنينه، فيصف مروجه ورياضه، ومروجه