وحياضه ووهاده وجباله، وتلاعه وتلاله، وربوعه ودياره، ونباته وأشجاره، ويقوله وثماره، ودوحه وأطياره، وطيب هوائه ولذة، ويزعم أنه فصوله كالربيع حسنًا، وأن جميع أفكاره تتدفق بركة ويمنًا، وأن شهرًا فيه خيرًا من ألف عام في غيره.
هي البلاد التي تغزلت بها الشعراء فقال فيها فلان أبياتًا، وقال فيها فلان قصيدة غرام، وأسمع ما قيل في جداولها ونواعيرها، ويلابلها وعصافيرها، وخمائلها وأزاهيرها، وصروحها وقصورها، ومصانعها ودورها وظبائها ومراتعها.
فإن قلت: كيف جارك الأدنى؟ لعله كان عونًا وخدنا؟ قال: ويلي! إنه شر جار، وهو على البلاد عار وشنار، فكيف جاره الذي يليه؟ عسى أنه ممن تواليه وتصافه؟، وقال: ويلي إنه شر من أخيه، فكيف أهل الحارة طرًا؟ قال: ويلي إنهم كانوا كلهم علي شرًا، ولم أجد منهم إلا ضرًا فكيف أهل البلد أجمعين؟ قال: ويلي، ما منهم أمين معين، فما كأنهم خلقوا من ماء وطين، فإن قلت له: ولكن كيف اشتملت بلادكم على تلك المحاسن، وأهلها على هذه المساوئ الشوائن؟ قال: إن أهلها الأولين كانوا من الخيرين فحرثوها، وزرعوها وعمروها وأمرعوها، ثم فسد الزمان فجاءت خلفاؤهم فاسدة، لكن بقيت هذه المحاسن فيها فائدة.
ولكن ما معنى فسد الزمان، وهو لم يكن صالحًا قط منذ خلق الإنسان؟
ولو كنت من الصالحين لما رأيت في غيرك خلقًا يشين، فإنما ينظر في عيوب الناس من كان أسوأ منهم حالًا.
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرا به الماء الزلالا
كذلك قال الشاعر الحكيم، فما أنت في طعنك على بني جنسك إلا مليم، وإن امرءًا يحسب جميع أهل بلاده دونه لجدير بأن يشيعوا مفتونه، ويذيعوا جنونه، ويجتنبوا محضره، ويتنكبوا منظره فيا للعجب ممن يمدح وطنه ليرجع المدح إلى نفسه مع ذم قومه، وجنسه".