الموضوعات في الدفاع عن الشعوب المظلومة التي آدها حكامها عسفًا، وإرهاقًا ولم تكن تجرؤ على مراجعتهم في أمر أبرموه، ولو كان ظلما، ولا كيف تثور وتشكو وتئن وتتوجع، فناقشت هؤلاء الحكام في مدى سلطتهم، وحق الشعب في الحياة، وأن الحاكم يخطئ ويصيب، وأن مقدرات الأمة رهن يديه، فإن كان عادلًا عالمًا مصلحًا خيرًا سار بها في طريق الرشاد، وإلا ساقها إلى الهاوية، ونسمع من جمال الدين قوله يحرض الفلاح على الثورة ضد من يمتصون دمه، ويستغلون مجهوده:"أنت أيها الفلاح المسكين تشق قلب الأرض لتستنبت منها ما تسد به الرمق، وتقوم بأود العيال، فلماذا لا تشق قلب ظالمك، لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون ثمرة أتعابك"، ويصرخ في المصريين جميعًا بقوله:"انظروا أهرام مصر، وهياكل ممفيس وآثار طيبة، ومشاهد سيوة، وحصون دمياط، فهي شاهدة بمنعة آبائكم وعزة أجدادكم هبوا من غفلتكم اصحوا من سكرتكم، وعيشوا كباقي الأمم أحرارًا سعداء".
ويدعو جمال الدين إلى الأخذ بنظام الشورى، حتى لا يستبد الحكام بالأمر دون شعوبهم، وحتى لا يتخذ الأجانب سفه هؤلاء الحكام ذريعة يتدخلون بها في شئون مصر، وقد رأينا آنفًا تلك الإشارات التي ساقها رفاعة في كتبه عن الحكم الشوري في فرنسا، ولكن النفوس لم تكن قد تهيأت بعد لتنقض غبار القرون الطويلة التي رزوحت تحتها، وهي تئن من الظلم، وتستنيم إلى الاستبداد.
وأخذ هذا النثر الحديث يحارب الاستعمار في شتى صوره، ولا سيما بعد أن أخفقت الثورة العرابية، ومنيت مصر بالاحتلال البريطاني، وتونس بالاحتلال الفرنسي، ثم الحث على إصلاح المفاسد الاجتماعية المتفشية في هذه الشعوب المغلوبة على أمرها، والتي تعاني منها الجمهرة الغالبة حتى تمت فيها صفات رديئة على مر السنين كالنفاق، والرشوة والكذب، والخداع والتراخي في العمل إلى آخر هذا الثبت الشنيع من نقائص الأمم التي منيت بالاستعمار قرونًا طويلة، فماتت فيها روح الكرامة والعزة، لذلك عمد الكتاب في هذه الحقبة إلى التشنيع على هذه الرذائل، وتبشيعها لدى أفراد الشعب كي يقلعوا عنها.